للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علاج الكبر:

٥٧١- وعلاج هذا الداء العضال الصعب -الكبر، واكتساب حقيقة التواضع، يكون بالمعرفة اليقينية: معرفة المتكبِّر لربه ولنفسه، فيعرف أنَّ الكبرياء هو لله وحده حصرًا، ولا يجوز مطلقًا لأي أنسان أن يسمح لذرَّة من الكبر أن تتسرب إلى قلبه، فإنها جرثومة خطرة فتَّاكة كثيرة التوالد، تطمس نور الإيمان وتكدِّر الأعمال وتحبطها، وأن يعرف المتكبِّر قدر نفسه، فهو نشأ من نطفة قذرة، ثم يصير جيفة قذرة، وأنَّ كل ما عنده من علم ومال وجاه وسلطان هو محض عطاء الله له، وأن لو شاء الله لسلبه ذلك كله، وأن ليس له من نفسه إلّا العدم، ثم يأتي المتكبر على أسباب إعجابه بنفسه ثم إلى تكبره سببًا سببًا فينقضه، فالعلم الذي عنده قليل جدًّا بالنسبة إلى ما يجهله {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} ، وهناك من هو أعلم منه {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} ، فلِمَ العجب والكبرياء؟ وأنَّ العلم الحقيقي هو الذي يثمر المعرفة بالربِّ -جل جلاله، ويحجز النفس عن الرذائل والحماقات مثل الكبر، ويروّضُها على الفضائل مثل التواضع. أمَّا العبادة التي يقوم بها المتكبِّر والتقوى والورع فلا تصلح سببًا للإعجاب بالنفس والإدلال بها على الله، والتكبُّر على الخلق.

فما يدري هذا المسكين أنَّ عبادته مقبولة، وأنه من الصالحين عند الله، وخاتمته مجهولة، وتزكية النفس ممنوعة {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} ، والعبادة هي حق الله على العبد، ولا يحق للعبد أن يمُنّ بها على الله، ولا أن يتكبَّر على الغير لقيامه بما هو حقٌّ عليه، والله هو الذي مكَّنه منها وهداه إليها {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} ، وأي تقوى هذه التي لا تقي صاحبها من منازعة الله حقه الخالص في الكبرياء، ولا تعصم صاحبها من التمرغ في رذيلة أخرجت إبليس من ملكوت السماوات والأرض، وجعلته طريدًا معلونًا إلى يوم الدين، يوم امتنع من السجود لآدم تكبرًا منه عليه، وإعجابًا بنفسه؛ حيث قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْه} ، وهكذا القول في المال والسلطان والجاه وقوة الأنصار والأتباع والتعزز بالأحساب والأنساب، فكلها من الأباطيل وإيحاءات من الشيطان الرجيم. فالمال غاد ورائح، والسلطان لا يبقى فالأيام دول، والجاه مثله، وقوة الأنصار والأتباع لا تغني من الله شيئًا: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} ، والتعزز بالأحساب والأنساب يعني تشبث وتعزز بعظام بالية إن بقيت العظام!! وما يغني

<<  <   >  >>