يواجهها، وهي كثيرة جدًّا ويصعب عدها وحصرها، وكثيرًا ما تختلط هذه الجزئيات ببعضها، وتدق الفروق فيما بينها، وكثيرًا ما ينسى الداعي معاني المنهج الصحيح، وكثيرًا أيضًا ما يصعب عليه استنباط الحلول الجديدة من هذه المعاني الكثيرة، إنَّ مَثَلَ الداعي في هذه الحالة -حالة التطبيق- مَثَلُ القائد العسكري، فقد يستوعب أساليب الحرب والقتال والخطط العسكرية وقواعدها استيعابًا جيدًا جدًّا، ولكن هذا لا يكفيه عند التطبيق؛ إذ لا بُدَّ له من كفاءة وقدرة على حسن الاستفادة مما تعلمه لوضع الخطة الملائمة والأسلوب الصحيح للحالة التي يواجهها في ضوء ما تعلمه، وصعوبة التطبيق بالنسبة للداعي أشد بكثير مما هي بالنسبة للقائد العسكري؛ لأنَّ القائد يجد بين يديه جنودًا مطيعين ينفِّذون ما يأمرهم به القائد، أمَّا الداعي فهو يواجه أناسًا جاهلين بربِّهم، متمرِّدين عليه، نافرين من الحق، مقبلين على الدنيا، معادين للداعي، أو على الأقل لا يهتمون بما يدعوهم إليه من الخير، ولا يحسُّون بحاجة إليه، أضف إلى ذلك أنَّ أحوال الناس وأهواءهم مختلفة متضاربة، وأمراضهم كثيرة متنوعة، وكل ذلك يجعل مهمة الداعي في تطبيق ما تعلمه صعبة وليست يسيرة. ومع هذا كله فإنَّ من الممكن تذليل هذه الصعوبة جهد الإمكان، وهذا ما نبينه في الفقرة التالية:
تيسير الالتزام بالنهج الصحيح:
والذي يسهل الالتزم بالنهج الصحيح ويعين عليه أمور، منها:
٦٤٩- أولًا: الفهم الدقيق الجيِّد لمعاني النهج الصحيح بطول التأمل وتكرار هذه المعاني التي جاءت في المصادر التي ذكرناها، بحيث تصبح كأنها تجري في دمه، وحاضرة في ذهنه، ولهذا لا يجوز للداعي أن يملَّ من ترداد وإعادة قراءة ما ورد في مصارد الدعوة، مع التأمل الطويل عند القراءة.
ثانيًا: تقوى الله، فإنَّ تقوى الله تنوّر قلب المسلم وتقوي فيه قوة الإدراك والرؤية، فيبصر الحق واضحًا، ويعرف الوسائل والأساليب الصحيحة المناسبة لما يمرّ به من ظروف وأحوال وأشخاص، والتي قد تشتبه بغيرها، فيشتبه عليه الصحيح من الوسائل والأساليب؛ لأنه لا يكفي -كما قلنا- أن يعرف الوسائل والأساليب بصورة عامَّة أو بتفصيل، وإنما يجب أن يعرف ما يجب تطبيقه منها بالنسبة لهذا الشخص، أو بالنسبة لهذه الحالة أو الظروف، وكثيرًا ما تتعارض مبررات تطبيق وسيلة معينة تعارض معاني