للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللغة أو اللون أو الحرفة أو الغنى أو الفقر، وأقام ميزان التفاضل على أساس التقوى والعمل الصالح، وقد ورد المبدأ العظيم في القرآن والسنة النبوية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ، وجاء في الحديث الشريف أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإنّ أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلّا بالتقوى".

وقال -عليه الصلاة والسلام: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

وبلغت دقة تطبيق هذا المبدأ إلى حَدِّ أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أنكر على مسلم عربي قوله لمسلم غير عربي: "يا ابن السوداء"، واعتبر هذا القول من بقايا الجاهلية الأولى.

وواضح من ذلك أنَّ التشريع الإسلامي ارتفع إلى أعلى مستوى من العدالة والمساواة في نظرته إلى الأفراد وإن اختلفوا في الجنس واللون واللغة وغير ذلك، وطبَّق هذا المبدأ فعلًا في واقع الحياة.

وفي القرن العشرين، وفي عصرنا الحاضر، وبالرغم من الضجيج الهائل في العالم حول المساواة، وتسطير هذا المبدأ في دساتير الدولة، فإنه لا يزال مجرَّد كلام لا نصيب له في الواقع إلّا الشيء القليل، ففي الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال الفروق قائمة بين المواطنين في أبسط الحقوق على أساس اللون والجنس، فصاحب البشرة البيضاء أسمى منزلةً وأعلى قدرًا من صاحب البشرة السوداء، ولا مساواة بين الاثنين في الحقوق الآدمية ولا أمام القانون، ولو كان هذ التفريق والتمايز في واقع الحياة فقط لأمكن أن يدَّعي البعض أنه من انحراف الأفراد ولا تسأل عنه الدولة، ولكنَّ الواقع أن القانون نفسه يقرّ ويعترف صراحةً بهذا التمايز الظالم بين الأسود والأبيض ويحميه، وإن كان الاثنان يحملان الجنسية الأمريكية، فمن هذه النصوص القانونية في بعض الولايات الأمريكية: "إنَّ النكاح بين شخصين أبيض وآخر زنجي يعتبر نكاحًا باطلًا"، وبطلان العقد هنا لا يرجع إلى نقص في أهلية العاقدين، فأهليتهما كاملة، وإنما يرجع إلى شيء آخر خطير في نظر واضع القانون، هو أنَّ أحد طرفي عقد النكاح ذو بشرة بيضاء، بينما الطرف الآخر في العقد ذو بشرة سوداء.

<<  <   >  >>