ومن هذه النصوص أيضًا في بعض الولايات المتحدة الأمريكية: إنَّ كل من يطبع أو ينشر أو يوزِّع ما فيه دعوة أو حث للجمهور على إقرار المساواة الاجتماعية والزواج بين البيض والسود، أو تقديم حجج للجمهور، أومجرَّد اقتراح في هذا السبيل، يعتبر عمله جريمة يعاقب عليها القانون بغرامة لا تتجاوز خمسمائة دولار، أو السجن مدةً لا تتجاوز ستة أشهر، أو بالعقوبتين. إنَّ هذا النص يوغل في اتباع الهوى والجَوْر والظلم دون حياءٍ أو خجل أو وخز من ضمير، إلى درجة أنه يعاقب من يدعو إلى المساواة بين مواطنين أمريكيين يحملون الجنسية الأمريكية، ولكنهم يختلفون في ألوان أجسادهم ووجوههم، فهل أدلّ من هذا على نقص الإنسان وجهله وجوره؟
أما التمايز بين رعايا المستعمِر -بكسر الميم- وأهل البلاد المنكبوبة بالاستعمار، فحدِّث ولا خرج، فالمستعمرين يضعون من القوانين ما يجعل أهل البلاد المستعمَرة بمنزلة البهائم، دون أن يشعر هؤلاء المستعمرون بتأنيب ضمير أو بجورهم على هؤلاء الآدميين، وما يعتبرونه ظلمًا في بلادهم، وبالنسبة لرعاياهم يعتبرونه حقًّا وعدلًا بالنسبة لأهل البلاد المنكوبة باستعمارهم. وهذا وغيره يدل على مدى ما عند الإنسان من ظلم وجَوْر وهوى ومحاباة وجهل.
٦٦- ثانيًا: ويترتَّب أيضًا على كون الإسلام من عند الله أنه يظفر بقدر كبير جدًّا من الهيبة والاحترام من قِبَل المؤمنين به، مهما كانت مراكزهم الاجتماعية وسلطاتهم الدنيوية؛ لأنَّ هذه السلطات وتلك المراكز لا تخرجهم من دائرة الخضوع لله تعالى واحترام شرعه، وطاعة هذا الشرع طاعة اختيارية تنبعث من النفس، وتقوم على الإيمان، ولا يقسر عليها المسلم قسرًا، وفي هذا ضمان عظيم لحسن تطبيق القانون الإسلامي، وعدم الخروج عليه ولو مع القدرة على هذا الخروج. أمَّا القوانين والمبادئ الوضعية التي شرَّعها الإنسان فإنَّها لا تظفر بهذ المقدار من الأحترام والهيبة؛ إذ ليس لها سلطان على النفوس، ولا تقوم على أساس من العقيدة والإيمان كما هو الحال بالنسبة للإسلام، ولهذا فإنَّ النفوس تجرؤ على مخالفة القانون الوضعي كلما وجدت فرصة لذلك، وقدرة على الإفلات من ملاحقة القانون وسلطان القضاء، ورأت في هذه المخالفة اتباعًا لأهوائها وتحقيقًا لرغباتها. إنَّ القانون لا يكفي أن يكون صالحًا، بل لا بُدَّ له من ضمانات تكفل حسن تطبيقه، ومن أول هذه الضمانات إيجاد ما يصل