هذا القانون بنفوس الناس، ويحملهم على الرضى به، والانقياد له عن طواعية واختيار.
ولا يحقق مثل هذه الضمانة مثل الإسلام؛ لأنه أقام تشريعاته على أساس الإيمان بالله واليوم الآخر ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم، وأن الالتزام الاختياري بهذه التشريعات واحترامها هو مقتضى هذا الإيمان.
وللتدليل على صحة ما نقول نضرب مثلًا واحدًا بشأن واقعة معينةٍ عالجها الإسلام بتشريعه، ونجح في هذه المعالجة، وعالجت هذه الواقعة بالذات القوانين الوضعية، وفشلت في هذه المعالجة.
من المعروف أنَّ العرب قبل الإسلام كانون مولَعين بشرب الخمر، لا يجدون فيه منقصة ولا منكرًا، وكانت زقاق الخمر ودنانه في البيوت كالماء المخزون في القرَب والحباب، فلما أتى الإسلام بتحريم الخمر بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ، كان لكلمة {فَاجْتَنِبُوه} قوة هائلة تفوق قوة الجيش والشرطة، وما يمكن أن تستعمله أي دولة لتنفيذ أوامرها بالقوة والجبر، لقد قام المسلمون إلى زقاق الخمر فأراقوها، وإلى دنانه فكسروها، وفطموا نفوسهم من شرب الخمر حتى غدوا وكأنهم لا يعرفون الخمر ولم يتذوقوها من قبل؛ لأن أمر الله ورد {فَاجْتَنِبُوه} ، وأوامر الله من شأنها الاحترام والطاعة.
وفي القرن العشرين أرادت الولايات المتحدة الأمريكية تخليص مواطنيها من الخمر، وقبل أن تشرِّع قانون تحريم الخمر مهدت له بدعاية واسعة جدًّا لتهيئة النفوس إلى قبول هذا القانون، وقد استعانت بجميع أجهزة الدولة، وبذوي الكفاية في هذا الباب. استعانت بالسينما والإحصائيات من قِبَل العلماء والأطباء والمختصين بالشئون الاجتماعية، وقد قدر ما أنفق على هذه الدعاية بـ"٦٥" مليون من الدولارات، وكتبت تسعة آلاف مليون صفحة في مضار الخمر ونتائجه وعواقبه. وانفق ما يقرب من "١٠" عشرة ملايين دولار من أجل تنفيذ القانون. وبعد هذه الدعاية الواسعة والمبالغ المنفقة شرَّعت الحكومة قانون تحريم الخمر لسنة ١٩٣٠، وبموجبه حرم بيع الخمور وشراؤها وصنعها وتصديرها واستيرادها، فما كانت النتيجة؟ لقد دلت