للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمرهم الله تعالى أن لا يقتحموا على عدوهم على جهالة حتى يتحسَّسوا ما عندهم، ويعلموا كيف يردون عليهم، فذلك أثبت لهم١.

دليل مشروعية الحذر من السنة النبوية:

٦٩٠- وفي السنة النبوية شواهد كثيرة على مشروعية الحذر ولزومه بالنسبة للمسلم، ولا سيما للدَّاعي الذي يتعرَّض لمكائد الكفار والمنافقين، نذكر منها ما يأتي:

أولًا: عن عائشة أمّ المؤمنين قالت: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالهاجرة، في ساعة كان لا يأتي فيها، قالت: فلمَّا رآه أبو بكر قال: ما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الساعة إلّا لأمر حدث، قالت: فلمَّا دخل تأخَّر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وليس عند أبي بكر إلّا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: أخرج عني من عندك، فقال: يا رسول الله، إنما هما ابنتاي، فداك أبي وأمي، فقال: إنَّ الله أذِنَ لي في الخروج والهجرة٢، وفي أخبار هذه الحادثة أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج وأبو بكر من باب صغير في ظهر بيت أبي بكر، ومضيا إلى غار بجبل ثور، فلم يصعدا الغار حتى قطرت قدما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دمًا، وقد نسج العنكبوت وعشعشت حمامتان على باب الغار٣، ففي هذا الخبر والذي قبله دليل قاطع على وجوب الحذر، ويظهر ذلك من:

أ- مجيء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت أبي بكر في الهاجرة؛ حيث ينقطع سير الناس عادة في الطريق أو يقل.

ب- طلبه -صلى الله عليه وسلم- من أبي بكر أن يخرج من داره مَن فيها مِمَّن يخشى اطلاعه على ما يقوله النبي -صلى الله عليه وسلم، فلما أعلمه أبو بكر بأنهما ابنتاه لم ير بأسًا من بقائهما.

ج- خروجهما من بابٍ في ظهر دار أبي بكر، فلم يخرجا من الباب الأصلي للدار.

هـ- اختفاؤه -صلى الله عليه وسلم- في الغار، وتحمُّله النَّصَب للوصول إليه، حتى إنَّ قدمية الشريفتين قطرتا دمًا.

و أمر الله تعالى العنكبوت بنسج خيوطه، وتعشيش الحمامتين؛ ليكون ذلك داعيًا لصرف أنظار المشركين عن وجودهما في الغار.

٦٩١- ثانيًا: وفي السنة النبوية أيضًا أنَّ قريشًا عندما عزَّت على قتل رسول الله


١ تفسير القرطبي ج٥ ص٢٧٣.
٢ سيرة ابن هشام ج٢ ص٩٧، وإمتاع الأسماع ص٢٩.
٣ سيرة ابن هشام ج٢ ص٩٨، وإمتاع الأسماع ص٤٠.

<<  <   >  >>