للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-صلى الله عليه وسلم، أتى جبريل -عليه السلام- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: لا تبيت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه، فلما كانت عتمة الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام، فيثبون عليه، فلمَّا رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك، قال لعلي بن أبي طالب: "نم على فراشي وتسَجَّ ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه، فإنه لن يصل إليك شيء تكرهه منهم"، ثم خرج عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فأخذ حِفْنَة من ترابٍ في يده، وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم ... "١.

٦٩٢- ثالثًا: وكان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلّوا ذهبوا في الشعاب واستخفوا بصلاتهم من قومهم٢ يوم كانوا في مكة.

الحاجة إلى الحذر:

٦٩٣- وإذا كان الحذر مشروعًا، فهل يحتاج إليه الداعي، وهل يجب عليه إذا كان محتاجًا إليه؟ الجواب: نعم قد يحتاج إليه الداعي، كما لو كان في مجتمع كافر مثل المجتمعات الوثنية في إفريقيا وآسيا، والملأ في هذه المجتمعات يكيدون للداعي إلى الله، ويعرقلون سعيه في نشر الإسلام، أو يريدون البطش به، وقد يكون الأخذ بالحَذَر في هذه الحالة وأمثالها واجبًا عليه؛ لأنَّ تركه قد يفضي إلى التهلكة وقطع جهاد الداعي في سبيل الله، وإلقاء النفس بالتهكلة، مع إمكان الاحتراز، لا يجوز، فيكون الأخذ بأسباب دفعها واجب، كما أنَّ بقاء الداعي وحريته في الرواح والمجيء على نحوٍ من الأنحاء، وما يتبع ذلك من نشر الإسلام خيرًا كثيرًا إذا هلك بسبب ترك الحذر، فيلزمه الحذر لهذه الغاية.

الحذر والتوكل على الله:

٦٩٤- ويجب أن يكون واضحًا تمامًا أنَّ الأخذ بالحذر وأسباب الحيطة واليقظة والتحرُّز لا يعني عدم الثقة بالله، ولا ينافي التوكُّل عليه؛ لأنَّ الحذر من الأسباب، ومباشرة الأسباب لا تنافي التوكُّل، ولكن لا يجوز أبدًا الاطمئنان والركون إليها،


١ ابن هشام ج٢ ص٩٥.
٢ ابن هشام ج١ ص٢٧٥.

<<  <   >  >>