للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتعلق بها؛ لأن الأسباب والمسببات بيد الله وحده، فهو الذي يهيئ السبب، وهو الذي يوفّق إليه ويدل عليه، ويجعله مفضيًا إلى نتيجة، ولو شاء لسلبه ما به صار سببًا، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، بل إنَّ المسلم يباشر الأسباب لأنَّ الله أمر بها ودعا إليها، ولكن يبقى القلب معتمدًا على الله وحده، متلفِّتًا إليه متعلقًا به كأنَّ صاحبه لم يباشر أيّ سبب أصلًا، ومثاله مثال الزارع في أرض الديم، ينثر الزرع ويتعهده، واعتماده على الله وحده، لا على ما باشره من أسباب، وهذه كانت حالة سيد المتوكلين رسولنا -صلى الله عليه وسلم، فقد باشر الأسباب في هجرته كما بَيَّنَّا، ودخل مع صاحبه أبي بكر إلى الغار، وأخذا بالحيطة والحَذَر، ولكن اعتماده ما كان على ما باشره من أسباب، وإنما كان اعتماده على الله وحده، ولهذا لمَّا شعر أبو بكر بالقلق على حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وظهر عليه الحزن من أجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قال له الرسول الكريم -كما أخبرنا الله: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، فكان نظر رسول الله واعتماده على معية الله لهما بالنصر والحفظ والتأييد، لا على ما باشره من الأسباب.

أنواع الحذر:

٦٩٥- والحذر أنواع من جهة ما يحذره الداعي المسلم، فهناك حذره من الوقوع في المعصية، وحذره من الأهل والولد، وحذره من اتباع الهوى، وحذره من المنافقين والكافرين، ولا بد من كلمة قصيرة عن هذه الأنواع.

الحذر من المعاصي:

٦٩٦- قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} ، أي: يحذركم عقابه بأن تباشروا المعاصي وما يسخط الربَّ -جلَّ جلاله، فيحلّ عليكم عذابه، أو تفقدوا نصره وتأييده، والداعي إلى الله يحذر أن يحل عليه غضب الله، أو يقطع عنه مدده وعونه ونصره وتأييده وحفظه، ولهذا فهو دائم التعلُّق بالله، شديد الحذر من الوقوع فيما يغضب الله تعالى، فهو دائم المراقبة لربِّه، دائم التقتيش في زوايا نفسه؛ لئلَّا ينبت فيها شيء من الرياء -وما أصعب التوقي منه، أو طلب السمعة عند الناس، أو الإعجاب بالنَّفس وبالتعالي على الخلق، والمَنِّ بما يقوم به من أمور الدعوة، إلى غير ذلك من أقذار المعاصي

<<  <   >  >>