للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس الغرض منها التمتُّع بالحياة والراحة فيها، ولا مداهنة المشركين، وليس في قبول هذه الحماية شيئ، وإنما هي تشبه قيام المشرك برفع الأذى عن طريق المسلم، أو ردّ الاعتداء عنه أو حراسته، فهذه الأمور مقبولة من المشرك، فكذا قبول حمايته.

شروط قبول حماية غير المسلم:

٧١٣- ويشترط لقبول حماية غير المسلم أو طلب هذه الحماية أن لا يكوننَّ ذلك على حساب معاني الإسلام أو التنازل عن شيء منها، ولهذا لمَّا قال أبو طالب للنبي -صلى الله عليه وسلم: "فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق"، قال -صلى الله عليه وسلم: "يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته"، ثم استعبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبكى، ثم قال: فلمَّا ولَّى ناداه أبو طالب فقال: "أقبل يا ابن أخي، ثم قال: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدً"١، وكذلك ردَّ أبو بكر جوار ابن الدغنة لمَّا طلب منه أن لا يصلي في مسجده عند باب داره في بني جمح٢.

٧١٤- ويجوز قبول حماية غير المسلم وإن كان الغرض الأول منها الخلاص من إيذاء الكفرة وبطشهم؛ لأنَّ بقاء المسلم حيًّا يعطيه فرصًا في المستقبل للقيام بواجب الدعوة إلى الله، دليلنا على ذلك ما جاء في سيرة ابن هشام: "فلمَّا رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية لمكانه من الله، ومن عمه أبي طالب، أنه لا يقدر على أن يمنعهم مِمَّا هم فيه من البلاء، قال لهم: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإنَّها بها ملكًا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه" ٣.

الاستعانة بغير المسلم في بعض الأمور:

٧١٥- ويجوز للداعي أن يستعين بغير المسلم في بعض الأمور، وإن اقتضى ذلك اطِّلاعه على بعض ما له صلة بعمل الداعي في مجال دعوته إلى الله تعالى، دليلنا على ذلك:


١ ابن هشام ج١، ص٢٧٨.
٢ ابن هشام ج١، ص٣٩٦.
٣ ابن هشام ج١، ٣٤٣.

<<  <   >  >>