للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولًا: جاء في حديث الهجرة إلى المدينة أنَّ أبا بكر قال للنبي -صلى الله عليه وسلم: "يا نبي الله، إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا، فاستأجرا عبد الله بن أريقط، رجلًا من بني الديل بن بكر -وكان مشركًا- يدلهما على الطريق، فدفعا إليه راحلتيهما، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما"١.

ثانيًا: "وفي بيعة العقبة الكبرى أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء ومعه العبَّاس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه، "إلّا أنه أحبَّ أن يحضر أمر بن أخيه ويتوثق له"٢.

ثالثًا: "وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتهامة، صفقتهم معه، لا يخفون عنه شيئًا كان بها"٣.

٦١٧- فهذه الأخبار صريحة في الدلالة على جواز الاستعانة بغير المسلم في بعض الأمور التي لها علاقة بالدعوة، ولكن يشترط لهذه الاستعانة التوثُّق من المشرك، والاطمئنان إلى عدم خيانته للمسلم، أو كشف ما طَّلع عليه، وهذه أمور تقديرية متروكة لتقدير الداعي المسلم وفطنته، ومدى الحاجة إلى ولوج هذا المسلك. وموقف المشرك المفيد للمسلم وكتمه ما يطَّلع عليه من شئونه، قد يرجع إلى قرابته من المسلم، أو الجميل أسداه إليه المسلم، أو لصدق معاملته معه، أو لحسن أخلاقه وسيرته، كما قال بن الدغنة لأبي بكر -رضي الله عنه- قبل أن يعلن جواره له: "فوالله، أنك لتزين العشيرة، وتعين على النوائب، وتفعل المعروف، وتكسب المعدوم، ارجع وأنت في جواري"٤، ولا ضير على المسلم إذا استفاد من الموقف المفيد الحميد الذي يقفه من المشرك لأيِّ سبب من الأسباب.


١ ابن هشام ج٢، ص٩٨.
٢ ابن هشام ج١، ص٤٩.
٣ ابن هشام ج٣، ص٤٥، ومعنى عيبة نصح رسول الله: أي موضع سره، صفقهم معه أي: هواهم له، واجتماعهم عليه.
٤ ابن هشام ج١، ص٣٩٦.

<<  <   >  >>