بالقرآن نفسه، فما أجمله القرآن في موضعٍ فصَّله في موضع آخر. فإن لم يجد هذا البيان في القرآن تحوَّل إلى السنة، فإن لم يجد ففي أقوال المفسِّرين من الصحابة والتابعين، وكذلك يفعل في تفسيره الحديث النبوي، وعند كلامه في الفقه الإسلامي يستحسن أن يبيّن الحكم الفقهي الراجح إن كان من ذوي القدرة على تمييز الأقوال الفقيهة الراجحة من المرجوحة، فإن لم يستطع ذلك فعليه أن يبيِّن الحكم وفقًا لاتجاه أحد المذاهب الإسلامية دون أن يذكر الخلافات الفقهية في كل مسألة يتعرَّض لها؛ لأن ذكر هذا الخلاف يشتت أذهان السامعين.
المحاضرة:
٧٤٢- والغالب في المحاضرة أنَّها تعالج موضوعًا معينًا باستقصاءٍ وإحاطةٍ وذكر الأدلة والبراهين، وذكر ما قيل حول الموضوع، والصواب من هذه الأقوال، والمحاضرة الناجحة ما كانت تهدف إلى هدف معيِّن ومحدَّد، وتجلي هذا الهدف وتبينه البيان الشافي المقنع، ويجب على المحاضر أن يكون دقيقًا في كلامه، لا يلقي القول جزافًا، ولا يكثر من العبارات العاطفية؛ لأن مجالها الأصلي الخطبة وليس المحاضرة، وأن يشرك السامعين معه في الوصول إلى ما يريده، بأن يبيِّن مقدمات النتيجة التي وصلها إليها في بحثه، فإذا ما استطاع إقناعهم بها كان وصولهم إلى النتيجة ميسورًا.
وعلى المحاضر أن يقيم المقدِّمات لما يريد الوصول إليه على مسائل واضحة جليِّة مشهورة، وأن يجنّب المسائل الدقيقة والمشتبهة، والتي تقبل الأخذ والرد، أو التي هي في نفسها تحتاج إلى إثبات، ومن هذه المسائل ما تعورف على تسميته بالمعاني الفلسفية، فإذا أراد المحاضر أن يعرض بعض الحقائق الدينية وأصول العقيدة الإسلامية مثل: البعث بعد الموت، فيكفيه أن يلفت الأنظار إلى ما نشاهده من موتٍ وبعثٍ في عالم الحيوان والنبات، وأن يضرب الأمثلة على ذلك لتقريب هذه الحقيقة إلى الأذهان.
وهذا النهج ورد في القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ، فالحياة بعد الموت أثر مشاهد محسوس، أرض ميتة لا نبت فيها ولا حياة، ينزل الله عليها المطر فتهيج ويخرج منها نبات حي بألوانه المختلفة وطعومه المتنوعة، إنَّ الله الذي أحيا هذه الأرض هو الذي يحيي الموتى بعد