للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن خلقهم من ماء مهين، من نطفة نعرفها ونراها، فإنَّ الإعادة كما هو معلوم أسهل من الابتداء، قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} ، هذا وعلى الداعي في محاضرته أن لا يكون جافًّا، عليه أن يضفي على محاضرته شيئًا من التحريك العاطفي الوجداني بما يذكره من حقائق الإسلام ومعاني العقيدة الإسلامية، وهذا التحريك الوجداني يقوم على أساس إثارة ما في النفوس من معاني الإيمان.

المناقشة والجدل:

٧٤٣- المناقشة والجدل يكونان بين شخصين أو أكثر، يعرض كل جانب وجهة نظره فيما يراه ويعتقده من أمور، والداعي عندما يدعو غيره إلى الله قد لا يقبل المدعوّ دعوته، فيقبل على جدال الداعي ومناقشه، وقد ذكر القرآن الكريم بعض صور المناقشات التي جرت بين الرسل الكرام وبين أقوامهم، من ذلك قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ، أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ، فالمدعوّ في مناقشته وجداله مع الداعي قد يصل إلى حدِّ اتهام الداعي بالضلال المبين، فلا يعجب الداعي من ضلال المدعو، ولا يخرجه عن هدوئه واتزانه وشفقته عليه، كما هو واضح من جواب نوح -عليه السلام، فعلى الداعي أن يلاحظ ذلك دائمًا، وأن يكون كلامه في الجدال والمناقشة بالحسنى وبالكلام الطيب والأدب الجمّ والتواضع والهدوء وعدم رفع الصوت، وعدم إغاظة المقابل والاستهزاء به، وليبق كلامه معه على مستواه العالي الرفيع الرقيق الليّن المحبوب، الخالي من الفظاظة والخشونة، ولكن فيه قوة الإقناع ووضوح الحق، ومثل هذا يستفاد من قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، فإذ أصرَّ المدعوّ على باطله ولجَّ في عناده، وأصبح الكلام معه عبثًا، فليقطع الداعي الجدل معه، ويذكر قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا

<<  <   >  >>