للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو أقلها مفسدة، فقتل القاتل مفسدة؛ لأنَّ فيه تفويت حياته، ولكنَّه جاز؛ لأنَّ فيه مصلحة أعظم وهي حفظ حياة الناس، وكشف العورة مفسدة، ولكن إذا احتاج إليها لإجراء عملية جراحية ضرورية جاز الكشف؛ لأن مصلحة حفظ النفس من الهلاك أكبر من مفسدة كشف العورة، وترك المحتكِر دون اعتراض عليه أو منعٍ له مصلحة له، ولكن فيه مفسدة أكبر وهي الإضرار بالناس، فشرَّع المنع من الاحتكار. والدفاع عن البلاد يعرِّض النفوس إلى القتل وهذه مفسدة، ولكن ترك الاعداء يدخلون بلاد المسلمين مفسدة أعظم من قتل النفوس، فكان في دفعهم بقتالهم مصلحة أكبر من مفسدة هلاك النفوس في هذ القتال، وهكذا تجري أحكام الشريعة على نمط واحد: هو جلب المصالح ودرء المفاسد.

٨٤- وعلى هذا فكل مصلحة مشروعة حقيقية تظهر، أو مفسدة تطرأ، فإن الشريعة الإسلامية تبيح إيجاد الحكم لتحقيق تلك المصلحة ودرء هذه المفسدة في ضوء قواعد الاجتهاد المقررة في الفقه الإسلامي؛ لأن الشريعة كما يقول الفقيه ابن القيم: "مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجَوْر، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن ادخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه".

ونخرج من جميع ما تقدَّم أن الشريعة الإسلامية وما جاءت به من أحكام صريحة في نصوصها، وما ابتنى علها من أحكام اجتهادية في ضوء موازين الاجتهاد الصحيح، لا يمكن ابدًا أن تضيق بحاجات الناس المشروعة، ولا تعجز عن تحقيق مصالحهم الحقيقية في أي زمان ومكان.

الدليل الثاني: مبادئ الشريعة وطبيعة أحكامها

٨٥- أحكام الشريعة نوعان:

الأول جاء بشكل قواعد ومبادئ عامة، والثاني: جاء بشكل أحكام تفصيلية. وكلا النوعين جاء على نحوٍ يوافق كل مكان وزمان، ويتفق مع عموم الشريعة وبقائها، ولا بد من الكلام بإيجاز عن كل نوع.

٨٦- النوع الأول: القواعد والمبادئ العامة

<<  <   >  >>