إجابتهم، كما لهم أن يعفوا ويتصالحوا مع القاتل على الدية، وفي حالة العفو أو المصالحة يجوز للمحكمة أن تعاقب القاتل عقوبة تعزيرية بالحبس أو الجلد، فهذا التنظيم لعقوبة القتل العمد تنظميم كامل لم يغفل جانب الطبيعة البشرية وما جبلت عليه من حب أخذ الثأر من الجاني، وانزال القصاص العادل به، كما لم يغفل جانب المجتمع ومصلحته.
فجميع العقوبات التفصيلية قامت على أوصافٍ ثابتة لا تتغير، ومن ثَمَّ فهي صالحة لكل مجتمع فاضل يريد أن يعيش بأمان واطمئنان.
٩٩- أمَّا عقوبات التعزير، وهي بالنسبة لجميع الجرائم التي لم تحدد الشريعة لها عقوبات، فالقاضي في تحديده العقوبة يلاحظ مدى جسامة ضررها بالمجتمع، وسوابق المجرم، وظروفه التي دفعته إلى الإجرام، إلى غير ذلك من الأمور، ويقرر بعد ذلك العقوبة المناسبة في ضوء قوله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} ولا شك أن نظام التعزير نظام مرن في الشريعة، يمكِّنُها من مواجهة مختلف الحالات التي يلزم فيها العقاب، وبالتالي يكون صالحًا لكل زمان ومكان.
الدليل الثالث: مصادر الأحكام
١٠٠- مصادر الأحكام الشرعية نوعان: الأول: مصادر أصلية وهي الكتاب والسنة النبوية، الثاني: مصادر تبعية قامت على المصادر الأصلية؛ كالإجماع والاجتهاد بأنواعه المختلفة؛ كالقياس والاستحسان والمصلحة المرسلة.
وهذه المصادر كلها تجعل الشريعة الإسلامية في غاية القدرة والاستعداد والأهلية للبقاء والعموم؛ بحيث لا يحدث شيء جديد إلّّا وللشريعة حكم فيه، إمَّا بالنص الصريح أو بالاجتهاد الصحيح، وبالتالي لا تضيق الشريعة بالوقائع الجديدة، وبالتالي لا تضيق بحاجات الناس ومصالحهم.
١٠١- ومن جميع ما تقدم من أدلة وبراهين يظهر لنا بغاية الوضوح أنَّ الشريعة الإسلامية شريعة فيها كل مقومات العموم المكاني والزماني، ومن ثَمَّ فهي للجميع وفي جميع الأزمان، وهذا من فضل الله على بني الإنسان.