للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتعلقة بغيره، سواء أكان الغير فردًا أو جماعة أو دولة، فلا يخرج شيء عن دائرة الأخلاق ولزوم مراعاة معاني الأخلاق، مما لا نجد له نظيرًا في أية شريعة سماوية سابقة، ولا في أية شريعة وضعية، ونذكر هنا على سبيل التمثيل فقط مدى مراعاة الأخلاق في علاقات الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول؛ ليتبيِّنَ لنا مدى حرص الإسلام على التمسك بمعاني الأخلاق. ووجه اختيارنا هذه العلاقات هو ما شاع بين الناس ويؤيده الواقع، إنَّ العلاقات بين الدول لا تقم على أساس مراعاة الأخلاق، حتى إنَّ أحدهم قال: لا مكان للأخلاق في العلاقات الدولية. ولهذا كان الخداع والتضليل والغدر والكذب من البراعة في السياسة، إنَّ الإسلام يرفض هذا النظر السقيم، ويعتبر ما هو قبيح في علاقات الأفراد قبيحًا أيضًا في علاقات الدول، ويعتبر ما هو مطلوب وجميل في علاقات الأفراد مطلوبًا وجميلًا أيضًا في علاقات الدول، ولهذا كان من المقرر في شرع الإسلام أن على الدولة الإسلامية أن تلتزم بمعاني الأخلاق، وهذا التقرير موجود في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة وفي أقوال الفقهاء، فمن ذلك:

أولًا: قال تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} ، أي: إذا ظهرت خيانة من عاهدتهم وثبتت دلائلها، فأعلموهم بنقض عهدهم حتى تستووا معهم في العلم؛ لأنَّ الله تعالى لا يحب الخائنين ولو كانت الخيانة مع قوم كافرين، وكانوا في نقض العهد بادين.

ثانيًا: كان من شروط معاهدة الحديبية بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين مشركي قريش: إنَّ من يأت من قريش النبي -صلى الله عليه وسلم- مسلمًا يرده النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يؤويه، وبعد الفراغ من كتابة المعاهدة جاء أبو جندل من قريش مسلمًا معلنًا إسلامه، يستصرخ المسلمين أن يئوه ويحموه من قريش، فقال له الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم: "إنَّا عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا، وإنَّا لا نغدر بهم" ١.

ثالثًا: قال الفقهاء: لا يجوز للمسلم أن يخون أهل دار الحرب إذا دخل ديارهم بأمانٍ منهم؛ لأنَّ خيانتهم غدر، ولا يصلح في دين الإسلام الغدر٢.


١ سيرة ابن هشام في موضوع الحديبية.
٢ المغني لابن قدامة الحنبلي ج٨ ص٤٥٨.

<<  <   >  >>