للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدنيا، وأنَّ المسلم عمَّا قريب سيرحل عنها، وأنَّه سيجازى على أعماله، ومن أعماله أخلاقه، وأنَّ الله تعالى وعده وعد الصدق بالثواب للمتخلقين بأخلاق الإسلام، ووعد بالعقاب لمن رفض أخلاق الإسلام.

إن تقوية معاني العقيدة الإسلامية في النفس يؤدي إلى انفتاح النفس وتقبلها لمعاني الأخلاق الإسلامية؛ لأن هذه الأخلاق موصولة بالإيمان ومعاني التقوى كما قلنا، وهذه الصلة تشتد كلما قوي الإيمان في النفس ورسخت العقيدة فيها، مما يجعل أخلاق المسلم الطيبة ثابتة راسخة لا تزول ولا تضعف؛ لأنها موصولة بالقوي العزيز، وتجد مادَّة بقائها واستمرارها وصلاحها من هذا الفيض الذي لا ينضب: الإيمان بالله، ولوازم هذا الإيمان، فالمسلم مثلًا: لا يمكن أن يكون ذليلًا أبدًا؛ لأنه موصول بالقوي العزيز الذي له العزة جميعًا {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} ، وللمؤمنين المتصلين به نصيب من العزة {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} ، والمؤمن لا يخاف مخلوقًا ولا يخشاه، ومن ثَمَّ لا يتملقه ولا يذل له ولا ينافق عنده؛ لأن الأمور كلها بيد الله، ومنها: النفع والضر والزرق والحياة والموت {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} ، وعزة المؤمن لا يقترن بها ذرة من كبر أو طغيان أو جبروت أوخيلاء أو عجب بالنفس؛ لأن عزة المؤمن قائمة على الإيمان بالله، والله وحده له الكبرياء والجبروت، وكل ما سواه فهو فقير مربوب مقهور، فأنَّى للفقير المقهور أن يتكبَّر أو يتجبَّر على غيره؟

ولهذا لا يكون المسلم إلّا متواضعًا؛ لأنه عرف قدر نفسه بعد أن عرف ربه، ومن عرف قدر نفسه لن يتكبر أبدًا، ومع العزة والتواضع صبر جميل وثقة كاملة ورجاء لا يشوبه يأس، وطمأنينة لا يخالطها قلق؛ لأن الإيمان يثمر هذه الأخلاق الفاضلة، قال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب} ؛ ولأنَّ ما هو مقدَّر فهو كائن، فلا داعي للقلق والاضطراب {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} ؛ ولأنَّ من يتوكل على الله فهو حسبه، والشجاعة والجرأة والإقدام والثبات على الحق ونحو ذلك، أخلاق راسخة في المسلم ما دام قلبه معمورًا بمعاني الإيمان؛ لأنَّ إيمانه يعلمه أن الحياة لا تستحق أن يَهُن فيها المسلم أو يجبن أو يحجم حيث يجب الإقدام؛ لأنَّ الآجال قد فرغ منها، وأن الموت لا بُدَّ أن يلاقيه كل حي، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}

<<  <   >  >>