((وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع)) وفي بعض الروايات: ((وإذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل)) يعني يقبل الحوالة، شريطة أن يكون المحال عليه مليء، بمعنى أنه يدفع متى طلب منه المال، ولا شك أن تشريع الحوالة هي في الأصل دين بدين، دين في ذمة زيد أحيل عليه دين في ذمة عمرو، والأصل أن بيع الدين بالدين -بيع الكالئ بالكالئ- ممنوع، لكن هذا عقد إرفاق لمصلحة الأطراف كلها، قد يكون المحيل المدين الأول ما عنده ما يسد به لدائنه، فيقول: أنا والله ما عندي شيء، لكن عند فلان لي مبلغ كذا، اذهب فخذه منه، حوالة، فتنحل مشكلة المدين الأول، وأيضاً صاحب الدين الذي قبل الحوالة يعجل له قضاء دينه، وأيضاً المحال عليه قد يكون المحيل بينه وبينه أمور تقتضي أن يجامله ويؤخر الدفع فيتأخر الدفع، أو تقتضي أنه ليس عنده من قوة الشخصية ما يستطيع به استخراج الحق، فالمحال الذي قبل الحوالة عنده ما يستطيع به أن يستخرج هذا الدين فينتفع الأطراف كلها، ولا شك أن مصلحتها ظاهرة، وأهل العلم يشترطون رضا المحيل ورضا المحال، ولا يشترطون رضا المحال عليه؛ لأنه مستحق الدفع سواءً لهذا أو لهذا.
((وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع)) أوجب بعضهم قبول الحوالة، والجمهور على أنه للاستحباب، واللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، فإذا أمن المحال من ضياع حقه فالقول بوجوب قبول الحوالة متجه؛ لأن اللام لام الأمر، لكن لو أن شخصاً مدين لجاره بمبلغ من المال، فقال الجار: والله أنا الآن ما عندي شيء، لكن فلان في الحي الفلاني الذي يبعد كذا عشرين خمسين كيلو عنا، عنده لي دين، روح اقبض منه، هل يلزم بأن يقبل لأن المشور عليه يحتاج إلى كلفة، إذا كان الاستيفاء من المحيل والمحال عليه على حد سواء فالمتجه وجوب قبول الحوالة، يعني جار يطلب جاره ديناً، يقول: والله أنا لي ديناً عند جارنا الفلاني، ما في فرق بين أن يذهب إلى هذا أو إلى هذا، لكن إذا كان يكلفه في بدنه، يكلفه في ماله، مثل هذا يتجه القول بالاستحباب.