للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

((فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)) حكم الحاكم لا يغير من الواقع شيء، ولا يبيح للمحكوم له أن يأخذ ما حكم به إلا إذا كان يجزم بأنه حق، الخصوم يعرفون الواقع، يعرف المبطل أن ما له شيء، والمحق يعرف أن الحق له، لكن الحاكم يقبل قول هذا وإلا قول هذا؟ لا هذا ولا هذا ((شاهداك أو يمينه)) ما في غير هذا، ((فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)) لا يجوز له أن يأخذ ما حكم به له إذا كان يعرف أنه ليس له، وهذا عام جميع أبواب الدين من المعاملات والمناكحات وغيرها، الحنفية لهم رأي أنه ما دام حكم لك القاضي، وهو مأمور بالحكم على الظاهر فهو لك، ومنهم من يخص هذا بالمناكحات، أحضر الزوج شهود أن هذه زوجته، قال: أذهبي مع زوجك، لكن في حقيقة الحال أنه طلقها ثلاثاً، ولا عندها بينة تقيمها، بانت منه، القاضي ما يدري، الشهود ما علموا، هل يجوز له أن يطأ هذه الزوجة لأن القاضي قال: خذ زوجتك؟ من الحنفية من يقول: إنه ما دام حكم له القاضي يكفي؛ لأن الحكم على الظاهر، والأمور مبينة على الظاهر، الحديث يدل على بطلان هذا القول ((فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)) تدعي المرأة أنه طلقها ثلاثاً وهو ينكر، هاتِ بينتك تقول: والله ما عندي بينة، هذا عندنا في البيت ثلاث مرات يطلق ويراجع، نعم ثلاث مرات يطلق ويراجع، والأمر بينه وبين ربه، إن أراد أن ينكح زنا هذا أمر بينه وبين ربه، المسألة ديانة، فلا يجوز له أن يستحل بحكم القاضي ما لا يحل له، ولذا قال: -عليه الصلاة والسلام-: ((فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)) فليتقِ الله -جل وعلا- الخصوم، ويجعلوا مثل هذا نصب أعينهم ((من النار)) من يطيق النار، وأيضاً الأمر بالتقوى يتجه إلى المحامين الذين يبذلون كل ما أوتوا من قوة وفصاحة وبلاغة وبيان من أجل كسب القضية لموكليهم، هم داخلون في هذا، وهذا من التعاون على الإثم والعدوان، وما يأخذونه من أجرة على مثل هذه القضية ((قطعة من نار فليحملها أو يذرها)) هذا من باب التهديد {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [(٤٠) سورة فصلت] تهديد، ومنهم من يقول: