للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأكل والشرب منصوص عليه، وعامة أهل العلم على قياس سائر الاستعمالات على الذهب والفضة، ولذا الفقهاء يجعلون هذا الحديث في باب الآنية في كتاب الطهارة، لا يجيزون الوضوء من إناء الذهب والفضة، والوضوء غير الأكل والشرب فدل على أنهم يتوسعون في النهي، ويعدونه من الأكل والشرب إلى سائر الاستعمالات، ومنهم من يقصره على مورد النص، يجوز سائر الاستعمالات ما عدا الأكل والشرب، وحجة الجماهير أنه إذا منع الأكل والشرب بآنية الذهب والفضة مع الحاجة إلى ذلك فلئن يمنع ما سواه من باب أولى، والعلة التي استنبطوها الفخر الخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، والتشبه بأهل الجنة، والتضييق على النقدين، علل كثيرة استنبطت بسبب المنع من استعمال الذهب والفضة.

((ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم)) الضمير يعود على من؟ على الكفار، طيب وين مرجع الضمير؟ مذكور؟ غير مذكور، إنما حذف للعلم به، بدليل المقابلة ((فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)) دل على أن الذي يستعملها في الدنيا لا يمكن منها في الآخرة، وقوله: ((لهم في الدنيا)) لا يدل على إباحتها لهم؛ لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة، فيحرم عليهم ما يحرم على المسلمين، والقول بمخاطبة الكفار لفروع الشريعة قول جمهور العلماء لأدلة كثيرة، منها: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [(٤٢ - ٤٥) سورة المدثر] ذكروا فروع يعذبون عليها، والمسألة مبسوطة في غير هذا الموضع، فلا يعني أنها لهم في الدنيا أنها تباح لهم، لكن هم الذين يستعملونها، وهم الذين لا يمتثلون الأوامر والنواهي، فصارت لهم باعتبار أنهم يتناولونها ويستعملونها من غير نكير، نعم.

عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: "ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، له شعر يضرب منكبيه، بعيد ما بين المنكبين، ليس بالقصير ولا بالطويل".