صلى معاذ بقومه ليلة فافتتح البقرة، صلى معه شخص معه نواضحه، فلما افتتح البقرة نوى الانفراد وانصرف، صلى وانصرف، فتناوله معاذ، ووصف هذا الرجل بالنفاق، فشكاه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، شكا معاذاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أفتان أنت يا معاذ؟ )) والفتان الذي يصرف الناس عن دينهم أو عن عبادتهم، الذي يفتن الناس أو يصرفهم عن دينهم، هذه هي الفتنة، والفتنة أشد من القتل؛ لأنه بالقتل يخسر الدنيا، وبالفتنة يخسر الدين.
وكل كسر فإن الدين جابره ... وليس لكسر قناة الدين جبرانُ
فعلى الإنسان أن يعنى بدينه، وأن يهتم بدينه، وأما دنياه ما يأتي تبعاً لذلك فمطلوب منه أن لا ينسى نصيبه من الدنيا، لكنه خلق للعبودية.
((أفتان أنت يا معاذ؟ )) والفتنة تطق على الشيء الكبير والصغير ((كادت أن تفتنني)) الخميصة التي أهداها أبو جهيم له ((كادت أن تفتنني)) {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [(١٥) سورة التغابن] فكل ما يشغل فتنة، لكن هناك فتن دون فتن، وفتنة معاذ أراد أن يصرف هذا الرجل المسلم التعبان من جراء العمل، كاد أن يفتنه ويصرفه عن صلاته، ثم وجهه -عليه الصلاة والسلام-: ((فلولا)) هلاّ عرض ((صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها والليل إذا يغشى)) لماذا؟ لأنه ((يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة)) وهؤلاء بحاجة إلى مراعاة ((أيكم أم الناس فليخفف)) ((فإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)) فيصلي الكبير والضعيف وذو الحاجة، وهم بحاجة إلى مراعاة، والكبير والضعيف أيضاً بحاجة إلى مراعاة من جهة أخرى، قد تكون مراعاة الضعيف والكبير بعدم العجلة في الصلاة، في التأني في الركوع والسجود؛ لأنه لا يتمكن من أن يسجد بسرعة، أو أن يقوم بسرعة، فالمحافظة على مثل هذا مطلوب من الأئمة، أن لا يضجروا المصلين، ويمللوهم، ويكرهوهم في الصلاة، ويصرفونهم عنها، ويفتنونهم، وأن لا يسرعوا سرعة تخل بالمأمومين، فالضعيف والكبير بحاجة إلى مراعاة، وذو الحاجة أيضاً يجب أن يراعى، نعم.