"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة بعد أن نزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح" لأن فيها الأمر بالتسبيح، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يمتثل الأمر، أمتثله بالفعل، وكرره، وجاء في خبر عائشة أنه يتأول القرآن بقوله وفعله "بعد أن نزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح إلا يقول فيها: ((سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم أغفر لي)) "{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [(٣) سورة النصر] ((سبحانك اللهم وبحمدك)) امتثال لهذا الأمر "وفي لفظ: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده" هذا تسبيح وتنزيه وتحميد وطلب للمغفرة، وطلب المغفرة دعاء، فهل يخالف هذا ما جاء من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم))؟ هنا يقول في ركوعه:((اللهم أغفر لي)) هذا يخالف وإلا ما يخالف؟ نعم، لكن المسألة مسألة غالب، مثل هذا الشيء اليسير بدليل طلب الكثرة في السجود، طلب الكثرة في السجود يدل على أن القلة في الركوع لا تنافي التعظيم، من باب المقابلة، أما كذا وأما كذا ((أما السجود فأكثروا فيه)) إذاً الركوع نعظم فيه الرب، لكن هل يمنع أن ندعو بدعاء ليس بكثير؟ لئلا نشبه الركوع بالسجود؟ لا يمنع، ودليله هذا الحديث، بدليل هذا الحديث، أن الشيء اليسير لا ينافي التعظيم، ولو قال قائل مثلاً: إن الدعاء من التعظيم، ما دعوت الله حتى عظمته، نقول: مقابلة الدعاء بالتعظيم يدل على أنه تعظيم بغير الدعاء، لكن الدعاء اليسير لا ينافي التعظيم، إذا خص العام ضعفت دلالته، فدخله هذا التخصيص.
أقول: نكتفي بهذا اليوم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.