"فحمد الله، وأثنى عليه" مقومات الخطبة "ثم قال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك)) " ... إلى آخر الحديث، فدل على أن صلاة الكسوف لها خطبة أخذاً من هذا الحديث، ويخالف جمع من أهل العلم ويقولون: إنها ليس لها خطبة راتبة، وإنما قد يوجد ما يدعو إلى موعظة، أو دفع إشكال أو شبهة، أو تنبيه على مخالفة، إذا وجد مثل هذا، كما وجد في عصره -عليه الصلاة والسلام- أنهم قالوا: كسفت لموت إبراهيم، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- كشف هذه الشبهة، ولم يرد الخطبة.
((فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا)) لا شك أن الصدقة على ما تقدم في باب صلاة العيد تدفع مثل هذه الأمور المخوفة، وتطفئ غضب الرب، فهي مناسبة جداً مع الذكر والدعاء، والإكثار من الاستغفار "ثم، قال:((يا أمة محمد، والله ما من أحد أغيرَ)) " أو أغيرُ؟ ((والله ما من أحد)) (من) هذه زائدة لتأكيد النفي، و (أحد) مجرور لفظاً مرفوع محلاً، اسم (ما) وخبرها (أغير) فإن كانت حجازية قلنا: أغيرَ، تعمل عمل ليس، وإن كانت تميمية قلنا: أغيرُ ((من الله -سبحانه وتعالى-)) ويوصف الله -جل وعلا- بالغيرة على ما يليق بجلاله وعظمته ((أن يزني عبده أو تزني أمته)) الزنا الفاحشة أمرها عظيم، وشأنها خطير من كبائر الذنوب، بإجماع أهل العلم، فالله -جل وعلا- يغار، فلا بد من وضع .. ، وقد وضع الشرع الاحتياطات الكفيلة بمنع هذه الفاحشة ((أو تزني أمته)).
((يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم)) يعني ما عند الله -جل وعلا- من العذاب للعصاة والمخالفين ((لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً)) ولو علم الناس ما عند الله من العذاب والانتقام ما طمع في رحمته أحد، ولو علم ما عنده من سعة الرحمة والنعيم المقيم ما أيس من رحمته أحد، المقصود أنه لا بد أن يجمع الإنسان بين المقامين مقام الخوف ومقام الرجاء.