على كل حال هذه الصلاة يلاحظ فيها أمران، والتساهل والتنازل عن أمور تبطل الصلاة في حال الرخاء إنما هو من أجل الحراسة، والمبالغة في المحافظة على صلاة الجماعة، فهذا من أقوى الأدلة على وجوب صلاة الجماعة، فإذا تأكدت الجماعة في مثل هذا الظرف، فتنوزل عن بعض ما يبطل الصلاة وجوداً وعدماً، فدل هذا على أن صلاة الجماعة أمر حتم لا بد منه.
هات الحديث الأخير.
عن جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف، فصففنا صفين خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وكبرنا جميعاً، ثم ركع وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود، وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي -صلى الله عليه وسلم- وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع فرفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى، فقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعاً.
قال جابر:"كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائكم" ذكره مسلم بتمامه، وذكر البخاري طرفاً منه، وأنه صلى صلاة الخوف مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الغزوة السابعة، غزوة ذات الرقاع.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف" وهذه الصورة فيما إذا كان العدو بينهم وبين القبلة، يعني في جهة القبلة، وفي هذه الحالة لا يحتاج إلى أن يقسم الناس إلى قسمين: قسم يصلي، وقسم يحرس، كلهم يدخلون في الصلاة جميعاً، وحينئذٍ يصفون، أو يجعلون صفين.