((وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ )) قالوا: الله ورسوله أمن، ما ردوا عليه برد يمكن أن يكون مقبول، نعم، الله ورسوله أمن ((وعالة فأغناكم الله بي؟ )) وما قالوا أيضاً: قومك أكل بعضهم بعضاً لما دعوت عليهم، وأكلوا الهوام، وأكلوا الجيف، وأكلوا كل شيء.
((عالة فأغناكم الله بي؟ )) قالوا: الله ورسوله أمن، النبي -عليه الصلاة والسلام- اقتنع إلى ما عندهم، اطمأن إلى ما في قلوبهم، لكن أراد أن يزيدهم طمأنينة، وأن يرفع من شأنهم قال:((لو شئتم لقلتم: جئتنا بكذا وكذا)) لو شئتم قلتم فصدقتم وصدقتم، لو شئتم قلتم: جئتنا مكذباً فصدقناك، صحيح، كذبته قريش فهاجر إلى المدينة، جئتنا مخذولاً فنصرناك، أخرج النبي -عليه الصلاة والسلام- ((أو مخرجي هم؟ )) قال: نعم، فأخرج من بلده، وطريداً فآويناك، وعائلاً فواسيناك، هذا الكلام صحيح، لكن فيه إظهار للمنة، ما يقولون مثل هذا الكلام، وإن كان حقيقة وواقع؛ لأنهم لا يرون لأنفسهم منة على الله ولا على رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وبهذا استحقوا هذه المنزلة، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون بالنبي إلى رحالكم؟ )) يعني سهل أن يذهب الناس بحطام الدنيا، وأنتم تذهبون بالنبي أشرف مخلوق إلى رحالكم؟! ((لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار)) يعني لولا أن الله -جل وعلا- قسم خيار هذه الأمة إلى مهاجرين وأنصار، والهجرة وصف شرعي تترتب عليه آثاره ولوازمه، لا يمكن التخلي عنه كالنسب ((لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- بالمعنى الأعم للنصرة هو الذي نصر الله به الدين، وهو الذي أقام الله به الدين، لكن بالمعنى الخاص، بالمعنى الأعم يدخل المهاجرون في الأنصار؛ لأنهم نصروا الدين، أي نصر أعظم من نصر أبي بكر وعمر للدين؟! فهم أنصار بالمعنى الأعم، لكن بالمعنى الأخص الذي يريد أن يقرره النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يدخل فيه من ذكر.