للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الصوم في السفر وغيره" يعني ما حكمه، "وغيره" غير الصوم في السفر من المسائل الأخرى المتعلقة بهذا الكتاب، كتاب الصيام، فذكر حديث عائشة -رضي الله عنها- أن حمزة بن عمرو الأسلمي صحابي جليل كثير الصيام، سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "أصوم في السفر؟ " يعني: أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام، فقال: ((إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)) وفي هذا دليل على التخيير بين الصيام وعدمه في السفر؛ لأن الأصل أن الحكم في الصيام المستحب، وهو في الواجب أيضاً باعتبار أن السفر وصف علّق عليه رخص فإذا تحقق هذا الوصف فللإنسان أن يصوم وله أن يفطر، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يسافرون للحج والعمرة والجهاد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فمنهم الصائم ومنهم المفطر، ولا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، فدل على أن كلاً من الصيام والفطر في السفر جائز، يجوز أن يصوم الإنسان في السفر، ويجوز أن يفطر، والمرجح منهما كسائر الرخص، الأرفق بالمسافر فإذا كان الأنفع للمسافر والأرفق به أن يصوم؛ لأن كثرة الأكل لا تعينه على السفر مثلاً، أو تشق عليه، تشق عليه متابعة السير إذا أكل، فالأصل فضل الصيام، ومعه هذه الفائدة، فيكون الصيام في حقه أفضل، وإذا كان الفطر يعينه على مواصلة سفره ولا يلحقه بذلك مشقة فإنه يكون الفطر في حقه أفضل، فإن لحقته المشقة بصيامه في السفر، فليس من البر الصيام في السفر، كما في الحديث اللاحق "كنا نسافر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم" فدل على أن المسألة يخيّر فيها المكلّف، ومردها إلى اختياره، وهذا يشمل الفريضة والنافلة؛ لأن الفريضة يجوز للمسافر أن يفطر، {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(١٨٤) سورة البقرة] فالسفر والمرض يبيحان الفطر حتى في رمضان، وأما بالنسبة لصوم النافلة فهو في الأصل مخير، والمتطوع أمير نفسه، فإن وجد أن الفطر أنفع له يفطر، وإن وجد أن الصيام أنفع