ثم بد ذلكم الحديث الأول، الحديث العظيم حديث عمر بن الخطاب في النية الذي عظمه أهل العلم، ورفعوا من شأنه، حتى قال بعضهم: إنه ينبغي أن يدخل في جميع أبواب الدين، كل من ألف كتاباً يجعل هذا الحديث في مقدمة كل باب؛ لأنه ما من باب من أبواب الدين إلا ويحتاج إلى النية، فتركه في بعض الأبواب قد يغفل القارئ عن استصحاب هذه النية، ولا شك أن الحديث عظيم حتى جعله بعضهم نصف الدين؛ لأن الدين مبني على الأعمال الظاهرة أو الباطنة، وهذا الحديث مصحح للأعمال مشتمل على الشرط الأول وهو الإخلاص لله -عز وجل-، والثاني المتابعة للنبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) وجعله بعضهم ثلث الدين؛ لأن الدين اعتقاد بالقلب وقول باللسان، وعمل بالأركان فهذا الثلث، وبعضهم جعله رابع أربعة أحاديث يدور عليها الإسلام.
عمدة الدين عندنا كلماتٌ ... أربع من قول خير البرية
اتق الله وازهد ودع ما ... ليس يعنيك واعملن بنية
وهذا الحديث رغم أهميته وحاجة الأمة إليه لم يصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا من طريق عمر بن الخطاب، مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- خطب به على المنبر، فعمر بن الخطاب يقول: سمعت النبي -عليه الصلاة والسلام- على المنبر يقول، ومع ذلكم لم يحفظ إلا من طريق عمر -رضي الله عنه-، ولا يضير ما دام ثبت الخبر بحجة ملزمة فلا يلزم أن تتعدد طرقه أبداً، ولا يثبت عن عمر -رضي الله عنه- مع أنه خطب على المنبر إلا من طريق علقمة بن وقاص الليثي، ولا يروى عن علقمة إلا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي، ولا يروى عنه إلا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، وعن يحيى بن سعيد الأنصاري انتشر انتشار كبير حتى قال أبو إسماعيل الهروي أنه يرويه عن يحيى بن سعيد أكثر من سبعمائة شخص، مع أن الحافظ ابن حجر يشكك في هذا العدد.