أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صام، "وما فينا صائم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة" فدل على أن الصيام في السفر يجزئ عن صيام رمضان، وعلى هذا يكون معنى قوله -جل وعلا-: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ -فأفطر- فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(١٨٤) سورة البقرة] ودليل هذا التأويل الأحاديث التي سمعناها، ثم بعد ذلك هذا في حق من لم يشق عليه الصيام، يخيّر إن شاء صام وإن شاء أفطر، وإن كان الصيام يعينه فالصيام في حقه أفضل؛ لكن إن وجد مشقّة شديدة، جابر -رضي الله عنه- قال: "كان رسول -صلى الله عليه وسلم- في سفر فرأى زحاماً ورجل قد ظلل عليه، فقال:((ما هذا؟ )) قالوا: صائم، قال:((ليس من البر الصيام في السفر)) يعني هذا مع إيش؟ مع المشقّة الشديدة؛ لأن هذا ظلل عليه، صائم وازدحم الناس عليه، وظللوا عليه كي يعينوه على إتمام صيامه، فقال:((ما هذا؟ )) قالوا: صائم فقال: ((ليس من البر الصيام في السفر)) لأن الدين يسر، ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه، وفي لفظٍ لمسلم:((عليكم برخصة الله التي رخّص لكم))، والله -جل وعلا- يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معاصيه، ((فعليكم برخصة الله التي رخّص لكم)) ومن هذه الرخص الفطر في السفر، فعلى هذا الذي يشق عليه الصيام ليس من البر الصيام في السفر، وإذا كان ليس من البر يكون من إيش؟ ما الذي يقابل البر؟ الإثم، إذا لم يكن العمل من البر إذاً هو من إيش؟ من الإثم، فهل يأثم من صام في السفر وشقّ عليه؟ كما هو حال كثير من الناس، عوام المسلمين يشق عليهم الصيام وأشق منه عليهم أن يفطر، وبعض الناس تجده ليس من أهل التحري المعروف، ولا من المعروفين بالاحتياط للعبادة وغيرها تجده متساهل؛ لكن يقول: أصوم مع الناس ولو شق عليّ ولا أفطر، والناس بعد رمضان راحة ويمين ويسار ومكاشيت، وأنا أقضي الصيام، ولو شق عليه الصيام، نقول: مع ذلك ليس من البر الصيام في السفر؛ لكن مع ذلك لو صام وشق عليه، وظلل عليه مثل هذا نقول: صيامه صحيح ومجزئ لا يلزمه قضاؤه ما دام أمسك عن المفطرات من طلوع الشمس بالنية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس هذا صائم، الصيام صحيح ومسقط للطلب