أولاً من تجاوز الميقات، بغض النظر عن هذه المسألة، تجاوز الميقات بالكلية، يُلزمه جمهور أهل العلم إن لم يرجع قبل إحرامه بدم، لخبر ابن عباس، عمدتهم في ذلك كله خبر ابن عباس، وهذا هو القول الوسط في هذه المسألة، وإن كان سعيد بن جبير يقول: لا شيء عليه، ومن السلف من يقول: فلا حج له، من تجاوز الميقات! قولان في طرفين، لكن القول المعتمد عند جمهور أهل العلم أن حجه صحيح لكن عليه دم يجبره، لأنه ترك نسك، وهو الإحرام من الميقات.
نأتي إلى مسألتنا في الشامي الذي أجل الإحرام إلى الجحفة وقد مر بذي الحليفة، هو عمل بقوله:((هن لهن)) وخالف قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) هل يلزمه شيء وإلا ما يلزمه؟ عند مالك لا يلزمه شيء؛ لأنه أحرم من ميقاته المحدد له شرعاً، وهو الأصل فيه، وجمهور أهل العلم يلزمونه بالدم؛ لمخالفته لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) ما دام مر بهذه الميقات فهو ميقاته سواءً كان من أهل المدينة أو من غيرهم، ورأي الإمام مالك وجيه، لهذا أن يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- وقت لنا معاشر أهل الشام هذا الميقات وامتثلت، قال:((هن لهن)) وعلى كل حال الأحوط في هذه المسألة ألا يتجاوز الميقات الذي يمر به أولاً.
((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة))، ((ممن أراد الحج أو العمرة)): معنى هذا أنه لا يلزمه الإحرام إلا بهذا القيد، بقيد إرادة النسك، إرادة الحج أو العمرة، وعلى هذا الذي يريد الدخول إلى مكة ممن لا يريد الحج أوالعمرة عليه إحرام، يلزمه أن يحرم؟
على هذا لا يلزمهم أن يحرم، وهذا قول الإمام الشافعي -رحمه الله- تعالى، لا يلزمه أن يحرم إلا إذا أراد الحج أو العمرة.
والأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد على أنه يلزمه أن يحرم ما لم تتكرر حاجته، لكن الحديث صريح، مفهوم الحديث صريح في عدم إلزام من لا يريد الحج والعمرة بالنسك –بالإحرام- ولذا يقول:((ممن أراد الحج أو العمرة)).