كتب الأحكام صورة مصغرة للسنن؛ لأن الهمم قد قصرت وفترت عن التطاول على الكتب المسندة، المشتملة على المكررات، وضعفت الهمم فاحتج الناس إلى الاختصار، فحذفوا الأسانيد والتكرار، من أجل أن يحفظ طلاب العلم ما يستطيعون حفظه من هذه الكتب، استمر الناس على هذه المختصرات حفظاً ودراسة، إقراءً وقراءة، دراسة وتدريساً، حتى دب اليأس إلى قلوب كثير من المتعلمين بالنسبة لحفظ الكتب المسندة لاعتمادهم وتوارثهم هذه الجواد المطروقة عند أهل العلم من المتون المشتهرة عند أهل العلم في كل فن من الفنون، ومن ذلكم الحديث.
فصار يندر أن يذكر في ترجمة عالم من أهل العلم أن يقال: حفظ البخاري أو مسلم أو سنن أبي داود أو الترمذي، فضلاً عن مسند أحمد.
انبعثت الهمم من جديد فصار الناس يحفظون، ووجدوا الأمر ليس بالمستحيل، فوجد في العصور المتأخرة من يحفظ الكتب الستة بأسانيدها وتكرارها، على كل حال احتيج إلى هذه المؤلفات المختصرة لما ضعفت الهمم، وعرفنا أن كتب أحاديث الأحكام صورة مختصرة للسنن، والسنن تأتي في الدرجة الثانية بعد الصحاح، كما قرره أهل العلم، وهي فوق المسانيد التي رتبها مؤلفوها على أسماء الصحابة من الرواة، والسبب في ذلكم أن صاحب السنن يترجم بحكم شرعي ويستدل له بأقوى ما يجد في الباب، بخلاف صاحب المسند فإنه يترجم بصحابي، أحاديث أبو بكر، أحاديث عمر، أحاديث عثمان -رضي الله عن الجميع-، أحاديث علي، وهكذا، فهو يحشد تحت هذه الترجمة ما يقف عليه من أحاديث، أو ما يصله من أحاديث هذا الراوي، من أحاديث هذا الصحابي، ولا يحتاط مثل احتياط من يترجم بحكم شرعي، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر السنن:
ودونها في رتبة ما جعلا ... على المسانيد فيدعى الجفلا
كمسند الطيالسي وأحمد ... وعده للدارمي انتقد
على كل حال تقسيم هذه الكتب وتبويبها على الأحكام يعني أنها مبنية على الأرباع الأربعة التي سبق أن أشرنا إليها.