ابن عمر وجمع غفير من الصحابة فهموا من التفرق أنه التفرق بالأبدان، وابن المسيب والزهري وهما من كبار فقهاء المدينة فهموا من التفرق أنه التفرق بالأبدان، فكيف يقال: إنه خلاف عمل أهل المدينة؟ ولو قدر أن أهل المدينة قاطبة خالفوا العمل بالحديث، يلتفت إليهم؟ مع وجود النص الصحيح المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا حجة بقول أحد، فالسنة تقضي على غيرها، ولا يقضى عليها بغيرها، ودعوى تأويل الحديث أن المراد بالتفرق التفرق بالأقوال، نقول: لم يحصل بيع حتى ينظر في هذا التفرق، وإنما يتم البيع ويسمى كل من العاقدين بيعين أو متبايعين إنما يسمى إذا تم الإيجاب والقبول.
ابن عمر فهم من الحديث التفرق بالأبدان، ولذا كان -رضي الله عنهما- يمشي خطوات لكي يقطع الطريق على البائع في حالة ما إذا كان مشترياً، أو على المشتري في حالة ما إذا كان بائعاً، يقطع عليه الطريق الموصل إلى الخيار، ويأتي النهي عن مثل هذا العمل، لكن ابن عمر لم يبلغه هذا النهي، هذا المظنون به -رضي الله عنه وأرضاه-، يهمنا أن ابن عمر فهم أن المراد بالتفرق هو التفرق بالأبدان، وليس المراد به التفرق بالأقوال، ولذا لكل من العاقدين المتبايعين الخيار، وما يسميه أهل العلم خيار المجلس، ما داما في مكانهما، وكانا جميعاً كما جاء في الحديث، والتفرق أمر نسبي، فإذا قام كل واحد عن الآخر مولياً إياه دبره، فقد حصل التفرق، وإن كان في بيت فخروج أحدهما تفرق، وإن كان البيت ذا أدوار فطلوع أحدهما أو نزول أحدهما إلى دور آخر يسمى تفرق، وإن لم يخرجا عن البيت، إذا كانا في برية فإذا قام أحدهما وترك المجلس فإنه يعد تفرقاً، وحينئذ يلزم البيع، وليس لأحدهما مندوحة، وليس لأحدهما إبطال البيع إلا بالإقالة.