للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب" جنب: متلبس بالجنابة، متلبس بجنابة موجبة للغسل، قال أبو هريرة: "فانخنست منه" انسللت، خنس تأخر، ولذا جاء في وصف الشيطان أنه وسواس خناس، يوسوس لمن غفل عن ذكر الله -عز وجل- ويخنس ويتأخر عمن يذكر الله -عز وجل- "فانخنست منه فذهبت" انخنس لئلا يجالس النبي -عليه الصلاة والسلام- على غير طهارة، وهو متصف بالحدث الأكبر، فاغتسل، رفع الحدث، ثم جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أين كنت يا أبا هريرة؟ )) لماذا تخلفت؟ لماذا تأخرت؟ لماذا انخنست؟ قال: "كنت جنباً فكرهت أن أجالسك" وهذا من احترام الصحابة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن الجنب طاهر ليس بنجس، طاهر من الخبث لكنه غير طاهر من الحدث؛ لأن الطهارة إما أن تكون عن خبث أو تكون عن حدث، فيمكن أن يقال: إن الجنب طاهر غير طاهر، طاهر باعتبار أنه ليس بنجس، والمسلم لا ينجس، وهو أيضاً غير طاهر يعني غير متطهر، متلبس بالحدث، فالجهة منفكة، ما يقال: وصفان متناقضان، لا يمكن أن يطلقا على ذات واحدة في آن واحد، يمكن أن يطلقا على ذات واحدة في آن واحد؛ لأن الجهة منفكة.

" ((أين كنت يا أبا هريرة؟ )) " قال: كنت جنباً فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة" كلام صحيح، هو على غير طهارة؛ لأنه محدث، "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((سبحان الله)) تعجب، ((إن المسلم لا ينجس)) وقد جاء في قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(٢٨) سورة التوبة] والمسلم لا ينجس، والكفار والمشركون نجس، {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(٢٨) سورة التوبة] وهي نجاسة معنوية عند جمهور أهل العلم، وإن حملها بعضهم على أنها نجاسة حسية، والمسلم لا ينجس ولو تلبس بما يوجب الغسل، ففي هذا دليل على طهارة الجنب، طهارة سؤره إذا شرب من شيء طاهر، طهارة عرق الجنب، يجالس يؤاكل، لا بأس، جميع تصرفاته صحيحة، ولا تمنعه الجنابة إلا من مزاولة ما يفترض له الغسل، نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم.