حُكْمُهُ، وَجَرَى أَمْرُهُمَا فِي الْحُكْمِ عَلَى أَهْلِ هَذَا النَّسَبِ مَجْرَى قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ، فَأَيُّهُمَا حَكَمَ نَفَذَ حُكْمُهُ بَيْنَ مُتَنَازِعَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ إذَا كَانَ بِحُكْمِهِ فِي الِاجْتِهَادِ مَسَاغٌ أَنْ يَنْقُضَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَ مُتَنَازِعَانِ مِنْهُمْ، فَدَعَا أَحَدُهُمَا إلَى حُكْمِ النَّقِيبِ، وَدَعَا الْآخَرُ إلَى حُكْمِ الْقَاضِي، فَقَدْ قِيلَ: إنَّ الدَّاعِيَ إلَى نَظَرِ النَّقِيبِ أَوْلَى لِخُصُوصِ وِلَايَتِهِ، وَقِيلَ: بَلْ هُمَا سَوَاءٌ، فَيَكُونَانِ كَالْمُتَنَازِعِينَ فِي التَّحَاكُمِ إلَى قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ، فَيُغَلَّبُ قَوْلُ الطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ فَإِنْ تَسَاوَيَا كَانَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَيُعْمَلُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَرَعَ مِنْهُمَا.
وَالثَّانِي: يُقْطَعُ التَّنَازُعُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَّفِقَا عَلَى أَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ فِي وِلَايَةِ النَّقِيبِ صَرْفُ الْقَاضِي عَنِ النَّظَرِ بَيْنَ أَهْلِ هَذَا النَّسَبِ، لَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلنَّظَرِ فِي أَحْكَامِهِمْ، سَوَاءٌ اسْتَعْدَى إلَيْهِ مِنْهُمْ مُسْتَعْدٍ أَوْ لَمْ يَسْتَعْدِ، وَخَالَفَ ذَلِكَ حَالَ الْقَاضِيَيْنِ فِي جَانِبَيْ بَلَدٍ إذَا اسْتَعْدَى إلَيْهِ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ مُسْتَعْدٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعَدِّيَهُ عَلَى خَصْمِهِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ وِلَايَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَاضِيَيْنِ مَحْصُورَةٌ بِمَكَانِهِ، فَاسْتَوَى حُكْمُ الطَّارِئِ إلَيْهِ وَالْقَاطِنِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَصِيرَانِ مِنْ أَهْلِهِ.
وَوِلَايَةُ النِّقَابَةِ مَحْصُورَةٌ بِالنَّسَبِ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ حَالُهُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ؛ فَلَوْ تَرَاضَى الْمُتَنَازِعَانِ مِنْ أَهْلِ هَذَا النَّسَبِ بِحُكْمِ الْقَاضِي، لَمْ يَكُنْ لَهُ النَّظَرُ بَيْنَهُمَا، وَلَا أَنْ يَحْكُمَ لَهُمَا أَوْ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ بِالصَّرْفِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَكَانَ النَّقِيبُ أَحَقَّ بِالنَّظَرِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ التَّنَازُعُ بَيْنَهُمْ لَا يَتَعَدَّاهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ، فَإِنْ تَعَدَّاهُمْ فَتَنَازَعَ طَالِبِيٌّ وَعَبَّاسِيٌّ، فَدَعَا الطَّالِبِيُّ إلَى حُكْمِ نَقِيبِهِ، وَدَعَا الْعَبَّاسِيُّ إلَى حُكْمِ نَقِيبِهِ، لَمْ تَجِبْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْإِجَابَةُ إلَى حُكْمِ غَيْرِ نَقِيبِهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ وِلَايَتِهِ، فَإِذَا أَقَامَا عَلَى تَمَانُعِهِمَا مِنَ الْإِجَابَةِ إلَى نَقِيبِ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَرْجِعَانِ إلَى حُكْمِ السُّلْطَانِ الَّذِي هُوَ عَامُّ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِمَا، إذَا كَانَ الْقَاضِي مَصْرُوفًا عَنِ النَّظَرِ بَيْنَهُمَا؛ لِيَكُونَ السُّلْطَانُ هُوَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ يَسْتَنِيبُهُ عَلَى الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَشْبَهُ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّقِيبَانِ وَيُحْضِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي سَمَاعِ الدَّعْوَى، وَيَنْفَرِدُ بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمَا نَقِيبُ الْمَطْلُوبِ دُونَ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute