يَسْتَوْفِيَ مِنْ أَهْلِهِ حُقُوقَ مُسْتَحِقِّيهَا، فَإِنْ تَعَلَّقَ ثُبُوتُ الْحَقِّ بِبَيِّنَةٍ تُسْمَعُ عَلَى أَحَدِهِمَا، أَوْ يَمِينٍ يَحْلِفُ بِهَا أَحَدُهُمَا، سَمِعَ الْبَيِّنَةَ نَقِيبُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ دُونَ نَقِيبِ الْمَشْهُودِ لَهُ، وَأَحْلَفَ نَقِيبَ الْحَالِفِ دُونَ نَقِيبِ الْمُسْتَحْلِفِ؛ لِيَصِيرَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا هُوَ نَقِيبَ الْمَطْلُوبِ دُونَ الطَّالِبِ، وَإِنْ تَمَانَعَ النَّقِيبَانِ أَنْ يَجْتَمِعَا، لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِمَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مَأْثَمٌ، وَتَوَجَّهَ عَلَيْهِمَا الْمَأْثَمُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَكَانَ أَغْلَظَ النَّقِيبَيْنِ مَأْثَمًا نَقِيبُ الْمَطْلُوبِ مِنْهُمَا؛ لِاخْتِصَاصِهِ بِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ.
فَلَوْ تَرَاضَى الطَّالِبِيُّ وَالْعَبَّاسِيُّ بِالتَّحَاكُمِ إلَى أَحَدِ النَّقِيبَيْنِ، فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا نَقِيبُ أَحَدِهِمَا نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا نَقِيبَ الْمَطْلُوبِ صَحَّ حُكْمُهُ وَأَخَذَ بِهِ خَصْمُهُ، وَإِنْ حَكَمَ بَيْنَهُمَا نَقِيبُ الطَّالِبِ، فَفِي نُفُوذِ حُكْمِهِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ:
يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِي أَحَدِهِمَا وَيُرَدُّ فِي الْآخَرِ، وَلَوْ أَحْضَرَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً عِنْدَ الْقَاضِي لِيَسْمَعَهَا عَلَى خَصْمِهِ، وَيَكْتُبَ بِهَا إلَى نَقِيبِهِ وَهُوَ مُنْصَرِفٌ عَنِ النَّظَرِ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْمَعَ بَيِّنَةً، وَإِنْ كَانَ يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَنْفُذُ عَلَى مَنْ تَقُومُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لَوْ حَضَرَ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَنْفُذَ حُكْمُهُ عَلَيْهِ مَعَ الْغَيْبَةِ.
وَلَوْ أَرَادَ الْقَاضِي الَّذِي يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ سَمَاعَ بَيِّنَةٍ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِ؛ لِيَكْتُبَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْهَا إلَى قَاضِي بَلَدِهِ جَازَ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: إنْ كَانَ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ لَوْ حَضَرَ عِنْدَهُ نَفَذَ حُكْمُهُ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ جَازَ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَأَهْلُ هَذَيْنِ النَّسَبَيْنِ إنْ حَضَرَ أَحَدُهُمْ عِنْدَهُ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ هَذَيْنِ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي لِصَاحِبِهِ بِحَقٍّ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي شَاهِدًا بِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ نَقِيبِهِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْبَرَ بِهِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ غَيْرِ النَّقِيبَيْنِ كَانَ شَاهِدًا فِيهِ عِنْدَ نَقِيبِهِ، جَازَ وَكَانَ حَاكِمًا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ نَقِيبِ خَصْمِهِ فَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، يَكُونُ فِي أَحَدِهِمَا شَاهِدًا، وَيَكُونُ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ حَاكِمًا فِيهِ؛ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ نَقِيبِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي وِلَايَاتِ زُعَمَاءِ الْعَشَائِرِ وَوُلَاةِ الْقَبَائِلِ الْمُنْفَرِدِينَ بِالْوِلَايَاتِ عَلَى عَشَائِرِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute