للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَصَارَ دَاخِلًا فِي الْوِلَايَةِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمُؤَذِّنِينَ بِمَا يُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ فِي الْوَقْتِ وَالْأَذَانِ.

فَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا يَرَى تَعْجِيلَ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَّلِ الْأَوْقَاتِ، وَتَرْجِيعَ الْأَذَانِ وَإِفْرَادَ الْإِقَامَةِ أَخَذَ الْمُؤَذِّنِينَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُمْ بِخِلَافِهِ، وَإِنْ كَانَ حَنَفِيًّا يَرَى تَأْخِيرَ الصَّلَوَاتِ إلَى آخِرِ الْأَوْقَاتِ إلَّا الْمَغْرِبَ، وَيَرَى تَرْكَ التَّرْجِيعِ فِي الْأَذَانِ وَتَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ أَخَذَهُمْ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُمْ بِخِلَافِهِ.

ثُمَّ يَعْمَلُ الْإِمَامُ عَلَى رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي أَحْكَامِ صَلَاتِهِ، فَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا يَرَى الْجَهْرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْقُنُوتَ فِي الصُّبْحِ، لَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا لِلْمَأْمُومِينَ أَنْ يُنْكِرُوهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ حَنَفِيًّا يَرَى تَرْكَ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ وَتَرْكَ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ عُمِلَ عَلَى رَأْيِهِ وَلَمْ يُعَارَضْ فِيهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ أَنَّهُ يُؤَدِّي الصَّلَاةَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَارَضَ فِي اجْتِهَادِهِ، وَالْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَجَازَ أَنْ يُعَارَضَ فِي اجْتِهَادِهِ، فَإِنْ أَحَبَّ الْمُؤَذِّنُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ عَلَى اجْتِهَادِهِ أَذَّنَ بَعْدَ الْأَذَانِ الْعَامِّ أَذَانًا خَاصًّا لِنَفْسِهِ عَلَى رَأْيِهِ يُسِرُّ بِهِ وَلَا يَجْهَرُ.

فَصْلٌ: "في إمامة الصلاة"

وَالصِّفَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي تَقْلِيدِ هَذَا الْإِمَامِ خَمْسٌ: أَنْ يَكُونَ رَجُلًا عَادِلًا قَارِئًا فَقِيهًا سَلِيمَ اللَّفْظِ مِنْ نَقْصٍ أَوْ لَثَغٍ، فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ فَاسِقًا صَحَّتْ إمَامَتُهُ وَلَمْ تَنْعَقِدْ وِلَايَتُهُ؛ لِأَنَّ الصِّغَرَ وَالرِّقَّ وَالْفِسْقَ يَمْنَعُ مِنَ الْوِلَايَةِ وَلَا يَمْنَعُ مِنَ الْإِمَامَةِ.

قَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمْرَو بْنَ مَسْلَمَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بِقَوْمِهِ وَكَانَ صَغِيرًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَأَهُمْ، وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَلْفَ مَوْلًى لَهُ، وَقَالَ: "صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَارٍّ وَفَاجِرٍ"١.


١ ضعيف: رواه البيهقي في السنن الكبرى "٤/ ١٩" "٦٦٢٣"، والدارقطني في سننه "٢/ ٥٧".
وقال ابن حجر: قال الدارقطني: مكحول لم يسمع من أبي هريرة ورجاله ثقات، وهو عند أبي داود من هذا الوجه بلفظ: "الجهاد واجب مع كل أمير برًّا كان أو فاجرًا، والصلاة واجبة خلف كل مسلم برًّا كان أو فاجرًا، وإن عمل الكبائر"، وله طريق أخرى عند الدارقطني موصولًا، إلَّا أن فيها عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، وهو ضعيف، ولفظه: "سيليكم بعدي البر والفاجر فاسمعوا وأطيعوا وصلوا =

<<  <   >  >>