للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأَمَّا الْمَسَاجِدُ الْعَامَّةُ الَّتِي يَبْنِيهَا أَهْلُ الشَّوَارِعِ وَالْقَبَائِلِ فِي شَوَارِعِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ، فَلَا اعْتِرَاضَ لِلسُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ فِي أَئِمَّةِ مَسَاجِدِهِمْ، وَتَكُونُ الْإِمَامَةُ فِيهَا لِمَنْ اتَّفَقُوا عَلَى الرِّضَا بِإِمَامَتِهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ بَعْدَ الرِّضَا بِهِ أَنْ يَصْرِفُوهُ عَنِ الْإِمَامَةِ، إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالُهُ، وَلَيْسَ لَهُمْ بَعْدَ رِضَاهُمْ بِهِ أَنْ يَسْتَخْلِفُوا مَكَانَهُ نَائِبًا عَنْهُ، وَيَكُونُ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ حَقٌّ بِالِاخْتِيَارِ.

وَإِذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فِي اخْتِيَارِ إمَامٍ عُمِلَ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، فَإِنْ تَكَافَأَ الْمُخْتَلِفُونَ اخْتَارَ السُّلْطَانُ لَهُمْ؛ قَطْعًا لِتَشَاجُرِهِمْ مَنْ هُوَ أَدْيَنُ وَأَسَنُّ وَأَقْرَأُ وَأَفْقَهُ، وَهَلْ يَكُونُ اخْتِيَارُهُ مَقْصُورًا عَلَى الْعَدَدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، أَوْ يَكُونُ عَامًّا فِي جَمِيعِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّهُ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى ذَلِكَ الْعَدَدِ الْمُخْتَلِفِ فِي اخْتِيَارِهِ أَحَدُهُمْ، وَلَا يَتَعَدَّاهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ؛ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى تَرْكِ مَنْ عَدَاهُمْ.

وَالثَّانِي: إنَّهُ يَخْتَارُ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ مَنْ يَرَاهُ لِإِمَامَتِهِ مُسْتَحِقًّا؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يُضَيَّقُ عَلَيْهِ الِاخْتِيَارُ.

وَإِذَا بَنَى رَجُلٌ مَسْجِدًا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْإِمَامَةَ فِيهِ، كَانَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ جِيرَانِ الْمَسْجِدِ سَوَاءً فِي إمَامَتِهِ وَأَذَانِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ فِيهِ.

وَإِذَا حَضَرَتْ جَمَاعَةٌ مَنْزِلَ رَجُلٍ لِلصَّلَاةِ فِيهِ كَانَ مَالِكُ الْمَنْزِلِ أَحَقَّهُمْ بِالْإِمَامَةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُمْ فِي الْفَضْلِ، فَإِنْ حَضَرَهُ السُّلْطَانُ كَانَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَحَقَّ مِنَ الْمَالِكِ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَالْمَالِكُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي أَحَقُّ لِاخْتِصَاصِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ.


= مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا". رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن.
ولأنه قربة لفاعله لا يصح إلّا من مسلم، فلم يستأجره عليه كالإمامة، وحكي عن أحمد رواية أخرى أنَّه يجوز أخذ الأجرة عليه، ورخص فيه مالك وبعض الشافعية؛ لأنه عمل معلوم يجوز أخذ الرزق عليه، فجاز أخذ الأجرة عليه كسائر الأعمال، ولا نعلم فيه خلافًا في جواز أخذ الرزق عليه، وهذا قول الأوزاعي والشافعي؛ لأنَّ المسلمين حاجة إليه، وقد لا يوجد متطوع به وإذا لم يدفع الرزق فيه يعطل، ويرزقه الإمام من الفيء؛ لأنه المعد للمصالح، فهو كأرزاق القضاة والغزاة، وإن وجد متطوع به لم يرزق غيره؛ لعدم الحاجة. [المغني: ١/ ٢٤٩] .

<<  <   >  >>