للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ" ١.

وَحَدُّ عَرَفَةَ مَا جَاوَزَ وَادِي عَرَفَةَ الَّذِي فِيهِ الْمَسْجِدُ، وَلَيْسَ الْمَسْجِدُ وَلَا وَادِي عَرَفَةَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ عَلَى عَرَفَةَ كُلِّهَا، فَيَقِفُ مِنْهَا عِنْدَ الْجِبَالِ الثَّلَاثَةِ: النَّبْعَةُ وَالنُّبَيْعَةُ وَالتَّائِبُ، فَقَدْ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ضِرْسٍ مِنَ التَّائِبِ، وَجَعَلَ رَاحِلَتَهُ إلَى الْمِحْرَابِ، فَهَذَا أَحَبُّ الْمَوَاقِفِ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ فِيهِ، وَأَيْنَمَا وَقَفَ مِنْ عَرَفَةَ وَالنَّاسُ أَجْزَأَهُمْ، وَوُقُوفُهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ لِيَقْتَدِيَ بِهِ النَّاسُ أَوْلَى، ثُمَّ يَسِيرُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى مُزْدَلِفَةَ مُؤَخِّرًا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَيَؤُمُّ النَّاسَ فِيهِمَا، وَيَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَحَدُّهَا مِنْ حَيْثُ يَفِيضُ مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ، وَلَيْسَ الْمَأْزِمَانِ مِنْهَا إلَى أَنْ يَأْتِيَ إلَى قَرْنِ مُحَسِّرٍ، وَلَيْسَ الْقَرْنُ مِنْهَا، وَيَلْتَقِطُ النَّاسُ مِنْهَا حَصَى الْجِمَارِ بِقَدْرِ الْأَنَامِلِ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ، وَيَسِيرُ مِنْهَا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَلَوْ سَارَ قَبْلَهُ وَبَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَ، وَلَيْسَ الْمَبِيتُ بِهَا رُكْنًا، وَيَجْبُرُهُ دَمٌ إنْ تَرَكَهُ، وَجَعَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مِنَ الْأَرْكَانِ الْوَاجِبَةِ، ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، فَيَقِفُ مِنْهُ بِقُزَحَ دَاعِيًا، وَلَيْسَ الْوُقُوفُ بِهِ فَرْضًا، ثُمَّ يَسِيرُ إلَى مِنًى فَيَبْدَأُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ تِسْعَ حَصَيَاتٍ ثُمَّ يَنْحَر.

وَمَنْ سَاقَ مَعَهُ هَدْيًا مِنَ الْحَجِيجِ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ يَفْعَلُ مِنْهُمَا مَا شَاءَ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ، ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ بِهَا طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ الْفَرْضُ، وَيَسْعَى بَعْدَ طَوَافِهِ إنْ لَمْ يَسْعَ قَبْلَ عَرَفَةَ، وَيُجْزِئُهُ سَعْيُهُ قَبْلَ عَرَفَةَ، وَلَا يُجْزِئُهُ طَوَافُهُ قَبْلَهَا، ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الظُّهْرَ، وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا وَهِيَ الْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ الْأَرْبَعِ، وَيَذْكُرُ لِلنَّاسِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَنَاسِكِهِمْ، وَحُكْمِ إحْلَالِهِمْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَمَا يَسْتَبِيحُونَهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بِكُلِّ وَاحِدٍ


١ رواه مالك في موطئه، كتاب الحج "٨٨٦".
قال الحافظ ابن حجر: حديث: "الحج عرفة، فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج"؛ رواه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد، والدارقطني والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن يعمر قال: شهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو واقف بعرفات، وأتاه ناس من أهل ند فقالوا: يا رسول الله كيف الحج، فقال: "الحج عرفة، من جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تمَّ حجه" لفظ أحمد، وفي رواية لأبي داود: "من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج"، وألفاظ الباقين نحوه، وفي رواية للدارقطني والبيهقي: "الحج عرفة الحج عرفة". [تلخيص الحبير: ٢/ ٢٥٥] .

<<  <   >  >>