إنَّا لَنَشْكُركَ النُّعْمَى وَإِنْ كَثُرَتْ ... وَعِنْدَنَا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ نَدَّخِرُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أَحَبُّ إلَيْكُمْ أَمْ أَمْوَالُكُمْ "؟.
فَقَالُوا: خَيَّرَتْنَا بَيْنَ أَمْوَالِنَا وَأَحْسَابِنَا، بَلْ تَرُدُّ عَلَيْنَا أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَهُمْ أَحَبُّ إلَيْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ".
وَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ، وَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلَا، وَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ فَلَا؛ وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ فَلَا، فَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ: مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ لِبَنِي سُلَيْمٍ: قَدْ وَهَنْتُمُونِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا مَنْ تَمَسَّكَ مِنْكُمْ بِحَقِّهِ مِنْ هَذَا السَّبْيِ فَلَهُ بِكُلِّ إنْسَانٍ سِتُّ قَلَائِصَ، فَرُدُّوا إلَى النَّاسِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ" ١.
فَرَدُّوا، وَكَانَ عُيَيْنَةُ قَدْ أَخَذَ عَجُوزًا مِنْ عَجَائِزِ هَوَازِنَ وَقَالَ: إنِّي لَا أَرَى لَهَا فِي الْحَيِّ نَسَبًا، فَعَسَى أَنْ يُعَظِّمَ فِدَاؤُهَا، فَامْتَنَعَ مِنْ رَدِّهَا بِسِتِّ قَلَائِصَ، فَقَالَ أَبُو صُرَدَ: خَلِّهَا عَنْكَ، فَوَاَللَّهِ مَا فُوهَا بِبَارِدٍ، وَلَا ثَدْيُهَا بِنَاهِدٍ، وَلَا بَطْنُهَا بِوَالِدٍ، وَلَا زَوْجُهَا بِوَاحِدٍ، وَلَا دَرُّهَا بِمَاغِدٍ، فَرَدَّهَا بِسِتِّ قَلَائِصَ، ثُمَّ إنَّ عُيَيْنَةَ لَقِيَ الْأَقْرَعَ فَشَكَا إلَيْهِ فَقَالَ: إنَّكَ مَا أَخَذْتَهَا بَيْضَاءَ غَرِيرَةً وَلَا نَصْفَاءَ وَثِيرَةً، وَكَانَ فِي السَّبْيِ الشَّيْمَاءُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أُخْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَعَنَّفَ بِهَا إلَى أَنْ أَتَتْهُ وَهِيَ تَقُولُ: أَنَا أُخْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَلَمَّا انْتَهَتْ إلَيْهِ قَالَتْ لَهُ: أَنَا أُخْتُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ"؟ فَقَالَتْ: عَضَّةٌ عَضَضْتَنِيهَا وَأَنَا مُتَوَرِّكَتُكَ، فَعَرَفَ الْعَلَامَةَ وَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ وَأَجْلَسَهَا عَلَيْهِ، وَخَيَّرَهَا بَيْنَ الْمُقَامِ عِنْدَهُ مُكَرَّمَةً أَوْ الرُّجُوعِ إلَى قَوْمِهَا مُمَتَّعَةً، فَاخْتَارَتْ أَنْ يُمَتِّعَهَا وَيَرُدَّهَا إلَى قَوْمِهَا، فَفَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ قَبْلَ وُرُودِ الْوَفْدِ وَرَدِّ السَّبْيِ؛ فَأَعْطَاهَا غُلَامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ: محكل، وَجَارِيَةً فَزَوَّجَتْ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ، فَفِيهِمْ مَنْ نَسْلِهِمَا بَقِيَّةٌ.
١ حسن: رواه أبو داود في كتاب الجهاد "٢٦٩٤"، والنسائي في كتاب الهبة "٣٦٨٨"، وأحمد "٦٩٩٧"، وحسنه الشيخ الألباني.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute