وَفِي هَذَا الْخَبَرِ مَعَ الْأَحْكَامِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْهُ سِيرَةٌ يَجِبُ أَنْ يَتَّبِعَهَا الْوُلَاةُ فَلِذَلِكَ اسْتَوْفَيْنَاهُ.
وَإِذَا كَانَ فِي السَّبَايَا ذَوَاتُ أَزْوَاجٍ بَطَلَ نِكَاحُهُنَّ بِالسَّبْيِ، سَوَاءٌ سُبِيَ أَزْوَاجُهُنَّ مَعَهُنَّ أَمْ لَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ سُبِينَ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ فَهُنَّ عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ مِنْهُنَّ ذَاتُ زَوْجٍ قَبْلَ حُصُولِهَا فِي السَّبْيِ فَهِيَ حُرَّةٌ، وَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِذَا قَسَمَ السَّبَايَا فِي الْغَانِمِينَ حَرُمَ وَطْؤُهُنَّ حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ إنْ كُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ، أَوْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ إنْ كُنَّ حَوَامِلَ.
رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِسَبْيِ هَوَازِنَ فَقَالَ: "أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ" ١.
وَمَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوهُ لَمْ يَمْلِكُوهُ، وَكَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ أَرْبَابِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنْ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ رُدَّ عَلَى مَالِكِهِ مِنْهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: قَدْ مَلَكَهُ الْمُشْرِكُونَ إذَا غَلَبُوا عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَدَخَلَ سَيِّدُهَا الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا، وَلَوْ كَانَتْ أَرْضًا أَسْلَمَ عَنْهَا الْمُتَغَلِّبُ عَلَيْهَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا، وَإِذَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ كَانُوا أَحَقَّ بِهِ مِنْ مَالِكِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَدْرَكَهُ مَالِكُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَهَا كَانَ مَالِكُهُ أَحَقَّ بِثَمَنِهِ، وَغَانِمُهُ أَحَقَّ بِعَيْنِهِ، وَيَجُوزُ شِرَاءُ أَوْلَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْهُمْ كَمَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ، وَيَجُوزُ شِرَاءُ أَوْلَادِ أَهْلِ الْعَهْدِ مِنْهُمْ وَلَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ.
وَيَجْرِي عَلَى مَا غَنِمَهُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ حُكْمُ الْغَنِيمَةِ فِي أَخْذِ خُمُسِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ: لَا يُؤْخَذُ خُمُسُهُ حَتَّى يَكُونُوا سَرِيَّةً، وَاخْتَلَفُوا فِي السَّرِيَّةِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: السَّرِيَّةُ أَنْ يَكُونُوا عَدَدًا مُمْتَنِعًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: السَّرِيَّةُ تِسْعَةٌ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ سَرِيَّةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ كَانَتْ تِسْعَةً، وَهَذَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ إلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ سَرِيَّةً وَحْدَهُ فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ وَآخَرَ مَعَهُ سَرِيَّةً.
وَإِذَا أَسْلَمَ الْأَبَوَانِ كَانَ إسْلَامًا لِصِغَارِ أَوْلَادِهِمَا مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ، وَلَا يَكُونُ إسْلَامًا لِلْبَالِغَيْنِ مِنْهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَالِغُ مَجْنُونًا، وَقَالَ مَالِكٌ: يَكُونُ إسْلَامُ الْأَبِ إسْلَامًا لَهُمْ، وَلَا
١ صحيح: رواه أبو داود في كتاب النكاح "٢١٥٧"، والدارمي في كتاب الطلاق "٢٢٩٥"، وصحَّحه الشيخ الألباني.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute