يَكُونُ إسْلَامُ الْأَطْفَالِ بِأَنْفُسِهِمْ إسْلَامًا وَلَا رِدَّتُهُمْ رِدَّةً، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إسْلَامُ الطِّفْلِ إسْلَامٌ وَرِدَّتُهُ رِدَّةٌ إذَا كَانَ يَعْقِلُ وَيُمَيِّزُ، لَكِنْ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ إسْلَامُ الطِّفْلِ إسْلَامًا وَلَا تَكُونُ رِدَّتُهُ رِدَّةً، وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ مَعْنٍ عَنْهُ: إنْ عَرَفَ نَفْسَهُ صَحَّ إسْلَامُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا لَمْ يَصِحَّ.
فصل:
وَأَمَّا الْأَرْضُونَ إذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ فَتُقْسَمُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا مُلِكَتْ عَنْوَةً وَقَهْرًا حَتَّى فَارَقُوهَا بِقَتْلٍ أَوْ أَسْرٍ أَوْ جَلَاءٍ؛ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهَا بَعْدَ اسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إلَى أَنَّهَا تَكُونُ غَنِيمَةً كَالْأَمْوَالِ تُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، إلَّا أَنْ يَطِيبُوا نَفْسًا بِتَرْكِهَا، فَتُوقَفُ عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ مَالِكٌ: تَصِيرُ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ غُنِمَتْ، وَلَا يَجُوزُ قَسْمُهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْإِمَامُ فِيهَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ قِسْمَتِهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فَتَكُونُ أَرْضًا عُشْرِيَّةً، أَوْ يُعِيدُهَا إلَى أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ بِخَرَاجٍ يَضْرِبُهُ عَلَيْهَا فَتَكُونُ أَرْضَ خَرَاجٍ، وَيَكُونُ الْمُشْرِكُونَ بِهَا أَهْلَ ذِمَّةٍ، أَوْ يَقِفُهَا عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَصِيرُ هَذِهِ الْأَرْضُ دَارَ إسْلَامٍ، سَوَاءٌ سَكَنَهَا الْمُسْلِمُونَ أَوْ أُعِيدَ إلَيْهَا الْمُشْرِكُونَ لِمِلْكِ الْمُسْلِمِينَ لَهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْزِلَ عَنْهَا لِلْمُشْرِكِينَ لِئَلَّا تَصِيرَ دَارَ حَرْبٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْهَا: مَا مُلِكَ مِنْهُمْ عَفْوًا لِانْجِلَائِهِمْ عَنْهَا خَوْفًا، فَتَصِيرُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا وَقْفًا، وَقِيلَ: بَلْ تَصِيرُ وَقْفًا حَتَّى يَقِفَهَا الْإِمَامُ لَفْظًا، وَيَضْرِبَ عَلَيْهَا خَرَاجًا يَكُونُ أُجْرَةً لِرِقَابِهَا تُؤْخَذُ مِمَّنْ عُومِلَ عَلَيْهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ، وَيَجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ خَرَاجِهَا وَأَعْشَارِ زُرُوعِهَا وَثِمَارِهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ الثِّمَارُ مِنْ نَخْلٍ كَانَتْ فِيهَا وَقْتَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا، فَتَكُونُ تِلْكَ النَّخْلُ وَقْفًا مَعَهَا لَا يَجِبُ فِي ثَمَرِهَا عُشْرٌ، وَيَكُونُ الْإِمَامُ فِيهَا مُخَيَّرًا بَيْنَ وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا أَوْ الْمُسَاقَاةِ عَلَى ثَمَرَتِهَا، وَيَكُونُ مَا اُسْتُؤْلِفَ غَرْسُهُ مِنَ النَّخْلِ مَعْشُورًا وَأَرْضُهُ خَرَاجًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ، وَيَسْقُطُ الْعُشْرُ بِالْخَرَاجِ، وَتَصِيرُ هَذِهِ الْأَرْضُ دَارَ إسْلَامٍ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ هَذِهِ الْأَرْضِ وَلَا رَهْنِهَا، وَيَجُوزُ بَيْعُ مَا اُسْتُحْدِثَ فِيهَا مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا صُلْحًا عَلَى أَنْ تُقَرَّ فِي أَيْدِيهِمْ بِخَرَاجٍ يُؤَدُّونَهُ عَنْهَا، فَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute