للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا كَيْفَ شَاءَ، وَأَسْقَطَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ تُزْرَعَ أَوْ تُغْرَسَ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ مَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ بُنْيَانِهِ مِنْ مَقَامِهِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ لِزِرَاعَتِهَا عَفْوٌ يَسْقُطُ عَنْهُ خَرَاجُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ إلَّا بِمَسْكَنٍ يَسْتَوْطِنُهُ، وَمَا جَاوَزَ قَدْرَ الْحَاجَةِ مَأْخُوذٌ بِخَرَاجِهِ، وَإِذَا أُوجِرَتْ أَرْضُ الْخَرَاجِ أَوْ أُعِيرَتْ فَخَرَاجُهَا عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: خَرَاجُهَا فِي الْإِجَارَةِ عَلَى الْمَالِكِ، وَفِي الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ.

وَإِذَا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْأَرْضِ فِي حُكْمِهَا، فَادَّعَى الْعَامِلُ أَنَّهَا أَرْضُ خَرَاجٍ، وَادَّعَى رَبُّهَا أَنَّهَا أَرْضُ عُشْرٍ، وَقَوْلُهُمَا مُمَكَّنٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ دُونَ الْعَامِلِ، فَإِنِ اتَّهَمَ أَحْلَفَ اسْتِظْهَارًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ فِي مِثْلِ هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى شَوَاهِدِ الدَّوَاوِينِ السُّلْطَانِيَّةِ إذَا عَلِمَ صِحَّتَهَا وَوُثِقَ بِكِتَابِهَا، وَقَلَّمَا يُشْكِلُ ذَلِكَ إلَّا فِي الْحُدُودِ.

وَإِذَا ادَّعَى رَبُّ الْأَرْضِ دَفْعَ الْخَرَاجِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ قَوْلُهُ، وَلَوْ ادَّعَى دَفْعَ الْعُشْرِ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ فِي دَفْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الدَّوَاوِينِ السُّلْطَانِيَّةِ إذَا عَرَفَ صِحَّتَهَا اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ الْمُعْتَادِ فِيهَا، وَمَنْ أَعْسَرَ بِخَرَاجِهِ أُنْظِرَ بِهِ إلَى إيسَارِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ بِإِيسَارِهِ وَيَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ، وَإِذَا مَطَلَ بِالْخَرَاجِ مَعَ إيسَارِهِ حُبِسَ بِهِ، إلَّا أَنْ يُوجَدَ لَهُ مَالٌ فَيُبَاعُ عَلَيْهِ فِي خَرَاجِهِ كَالْمَدْيُونِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ غَيْرُ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَرَى جَوَازَ بَيْعِهَا بَاعَ مِنْهَا عَلَيْهِ بِقَدْرِ خَرَاجِهَا؛ وَإِنْ كَانَ لَا يَرَى ذَلِكَ أَجْرَاهَا عَلَيْهِ وَاسْتَوْفَى الْخَرَاجَ مِنْ مُسْتَأْجِرِهَا، فَإِنْ زَادَتْ الْأُجْرَةُ كَانَ عَلَيْهِ زِيَادَتُهَا، وَإِنْ نَقَصَتْ كَانَ عَلَيْهِ نُقْصَانُهَا، وَإِذَا عَجَزَ رَبُّ الْأَرْضِ عَنْ عِمَارَتِهَا قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تُؤَجِّرَهَا أَوْ تَرْفَعَ يَدَكَ عَنْهَا؛ لِتُدْفَعَ إلَى مَنْ يَقُومُ بِعِمَارَتِهَا وَلَمْ يُتْرَكْ عَلَى خَرَابِهَا، وَإِنْ دَفَعَ خَرَاجَهَا لِئَلَّا تَصِيرَ بِالْخَرَابِ مَوَاتًا.

وَعَامِلُ الْخَرَاجِ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ وِلَايَتِهِ: الْحُرِّيَّةُ وَالْأَمَانَةُ وَالْكِفَايَةُ، ثُمَّ يَخْتَلِفُ حَالُهُ بِاخْتِلَافِ وِلَايَتِهِ، فَإِنْ تَوَلَّى وَضْعَ الْخَرَاجِ اُعْتُبِرَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ وَلِيَ جِبَايَةَ الْخَرَاجِ صَحَّتْ وِلَايَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا مُجْتَهِدًا، وَرِزْقُ عَامِلِ الْخَرَاجِ فِي مَالِ الْخَرَاجِ، كَمَا أَنَّ رِزْقَ عَامِلِ الصَّدَقَةِ فِي مَالِ الصَّدَقَةِ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ، وَكَذَلِكَ أُجُورُ الْمُسَّاحِ.

وَأَمَّا أُجْرَةُ الْقَسَّامِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- إلَى أُجُورِ قُسَّامِ

<<  <   >  >>