للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل:

وأما المياه المستخرجة فتنقسم ثلاثة أقسام: مياه أنهار، ومياه آبار، ومياه عيون، فأما الأنهار فتنقسم ثلاثة أقسام:

أحدها: أجراه الله تعالى من كبار الأنهار التي لا يحتفرها الآدميون كدجلة والفرات ويسميان الرافدين، فماؤهما يتسع للزرع وللشاربة، وليس يتصور فيه قصور عن كفاية، ولا ضرورة تدعو فيه إلى تنازع أو مشاحنة، فيجوز لمن شاء من الناس أن يأخذ منها لضيعته شربًا، ويجعل من ضيعته إليها مغيضًا، ولا يمنع من أخذ شرب، ولا يعارض في إحداث مغيض.

والقسم الثَّاني: ما أجراه الله تعالى من صغار الأنهار، وهو على ضربين:

أحدهما: أن يعلو ماؤها وإن لم يحبس، ويكفي جميع أهله من غير تقصير، فيجوز لكل ذي أرض من أهله أن يأخذ منه شرب أرضه في وقت حاجته، ولا يعارض بعضهم بعضًا، فإن أراد قوم أن يستخرجوا منه نهرًا يساق إلى أرض أخرى، أو يجعلوا إليه مغيض نهر آخر نظر، فإن كان ذلك مضرًّا بأهل هذا النهر منع منه، وإن لم يضر بهم لم يمنع.

والضرب الثاني: أن يستقل ماء هذا النهر ولا يعلو للشرب إلّا بحبسه، فللأول من أهل النهر أن يبتدئ بحبسه؛ ليسقي أرضه حتى تكتفي منه وترتوي، ثم يحبسه من يليه حتى يكون آخرهم أرضًا آخرهم حبسًا. روى عبادة بن الصامت أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى في شرب النخل من السيل أنَّ للأعلى أن يشرب قبل الأسفل، ثم يرسل الماء إلى الأسفل الذي يليه، كذلك حتى ينقضي الأرضون١.


١ يشير المصنف -رحمه الله تعالى- إلى الحديث الذي رواه البخاري في كتاب المساقاة "٢٣٦٠"، ومسلم في كتاب المساقاة "١٦١٣"، وغيرهما: عن عروة عن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- أنه حدَّثه أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير عند النبي -صلى الله عليه وسلم- في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليه، فاختصما عند النبي -صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للزبير: "اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك" فغضب الأنصاري فقال: إن كان ابن عمتك، فتلوَّن وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر" فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: ٦٥] .

<<  <   >  >>