أرباب الأرضين لا حق فيه لغيره في شرب منه، ولا مغيض، ولا يجوز لواحد من أهله أن ينفرد بنصب عبارة عليه، ولا برفع مائه، ولا إدارة رحى فيه إلا عن مراضاة جميع أهله؛ لاشتراكهم فيما هو ممنوع من التفرُّد به، كما لا يجوز في الزقاق المرفوع أن يفتح إليه بابًا، ولا أن يخرج عليه جناحًا، ولا يمد عليه ساباطًا إلَّا بمراضاة جميعهم.
ثم لا يخلو حال شربهم منه من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يتناوبوا عليه بالأيام إن قلّوا، وبالساعات إن كثروا، ويقترعوا إن تنازعوا في الترتيب، حتى يستقرّ لهم ترتيب الأول ومن يليه، ويختص كل واحد منهم بنوبته لا يشاركه غيره فيها، ثم هو من بعدها على ما ترتبوا.
والقسم الثاني: أن يقتسموا في النهر عرضًا بخشبة تأخذ جانبي النهر، ويقسم فيها حفور مقدرة بحقوقهم من الماء، في كل حفرة منها قدر ما استحقه صاحبها من خمس أو عشر، وبأخذه إلى أرضه على الأدوار.
والقسم الثالث: أن يحفر كل واحد منهم في وجه أرضه شربًا مقدّرًا لهم باتفاقهم، أو على مساحة أملاكهم؛ ليأخذ من ماء النهر قدر حقه، ويساوي جميع شركائه، وليس له أن يزيد فيه ولا لهم أن ينقصوه، ولا لواحد منهم أن يؤخّر شربًا مقدمًا، كما ليس لواحد من أهل الزقاق المرفوع أن يؤخّر بابًا مقدَّمًا، وليس له أن يقدم شربًا مؤخرًا، وإن جاز أن يقدّم بابًا مؤخرًا؛ لأن في تقديم الباب المؤخر اقتصارًا على بعض الحق، وفي تقديم الشرب المؤخَّر زيادة على الحق، فأما حريم هذا النهر المحفور في الموات فهو عند الشافعي معتبر بعرف الناس في مثله، وكذلك حكم القناة؛ لأن القناة نهر باطن. وقال أبو حنيفة: حريم النهر مَلْقَى طينه. قال أبو يوسف: وحريم القناة ما لم يسح على وجه الأرض وكان جامعًا للماء، ولهذا القول وجه مستحسن١.
١ قال علاء الدين الكاساني: وأمَّا حريم النهر فقد اختلف أبو يوسف ومحمد في تقديره؛ فعند أبي يوسف: قدر نصف بطن النهر من كل جانب النصف من هذا الجانب، والنصف من ذلك الجانب، وعند محمد: قدر جميع بطن النهر من كل جانب قدر جميعه، وأما النهر إذا حفر في أرض الموات فمنهم من ذكر الخلاف فيه بين أبي حنيفة وصاحبيه، والصحيح أن له حريمًا بلا خلاف لما قلنا. [بدائع الصنائع: ٦/ ١٩٥] .