إحداها: أن يحفرها لسابلة فيكون ماؤها مشتركًا وحافرها فيه كأحدهم، قد وقف عثمان -رضي الله عنه- بئر رومة، فكان يضرب بدلوه مع الناس، ويشترك في مائها إذا اتَّسع شرب الحيوان وسقي الزرع، فإن ضاق ماؤها عنهما كان شرب الحيوان أولى به من الزرع، ويشترك فيها الآدميون والبهائم، فإن ضاق عنهما كان الآدميون بمائها أحق من البهائم.
والحالة الثانية: أن يحتفرها لارتفاقه بمائها -كالبادية، إذا انتجعوا أرضًا وحفروا فيها بئرًا لشربهم وشرب مواشيهم، كانوا أحق بمائها ما أقاموا عليها في نجعتهم، وعليهم بذل الفضل من مائها للشاربين دون غيرهم، فإذا ارتحلوا عنها صارت البئر سابلة، فتكون خاصة الابتداء وعامة الانتهاء، فإن عادوا إليها بعد الارتحال عنها كانوا هم وغيرهم سواء فيها، ويكون السابق إليها أحق بها.
والحالة الثالثة: أن يحتفرها لنفسه ملكًا، فما لم يبلغ الحفر إلى استنباط مائها لم يستقر ملكه عليها، وإذا استنبط ماءها استقر ملكًا بكمال الإحياء، إلَّا أن يحتاج إلى طي، فيكون طيها من كمال الإحياء واستقرار الملك، ثم يصير مالكًا لها ولحريمها.
واختلف الفقهاء في قدر حريمها؛ فذهب الشافعي -رحمه الله- إلى أنَّه معتبر بالعرف المعهود في مثلها. وقال أبو حنيفة: حريم البئر للناضح خمسون ذراعًا.
وقال أبو يوسف: حريمها ستون ذراعًا، إلَّا أن يكون رشاؤها أبعد، فيكون لها منتهى رشائها. قال أبو يوسف: وحريم بئر العطن أربعون ذراعًا، وهذه مقادير لا تثبت إلَّا بنص، فإن جاءها نص كان متبعًا، وإلا فهو معلول، وللتقدير بمنتهى الرشاء وجه يصح اعتباره، ويكون داخلًا في العرف المعتبر، فإذا استقر ملكه على البئر وحريمها فهو أحق بمائها١.
١ وقال ابن قدامة المقدسي من الحنابلة: ومن حفر بئرًا في موات ملك حريمها، والمنصوص عن أحمد -رضي الله عنه- أنَّ حريم البئر البدي خمسة وعشرون ذراعًا من كل جانب، ومن سبق إلى بئر عادية فاحتفرها فحريمها خمسون ذراعًا من كل جانب؛ لما روي عن سعيد بن المسيب أنه قال: السنة في حريم =