للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد أقطع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزبير بن العوام ركض فرسه من موات النقيع، فأجراه ثم رمى بسوطه رغبة في الزيادة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أعطوه منتهى سوطه"١.

والضرب الثاني من الموات ما كان عامرًا فخرب، فصار مواتًا عاطلًا، وذلك ضربان:

أحدهما: ما كان جاهليًّا كأرض عاد وثمود، فهي كالموات الذي لم يثبت فيه عمارة، ويجوز إقطاعه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني"٢.

يعني أرض عاد.

والضرب الثاني: ما كان إسلاميًّا جرى عليه ملك المسلمين، ثم خرب حتى صار مواتًا عاطلًا، فقد اختلف الفقهاء في حكم إحيائه على ثلاثة أقوال: فذهب الشافعي فيه إلى أنه لا


= جعل يردد ذلك، فقال عمر: المال مال الله، والعباد عباد الله، فلولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبرًا في شبر.
قال مالك: نبئت أنه كان يحمل في كل عام على أربعين ألفًا من الظهر، وقال مرة: من الخيل، وروى زيد بن أسلم عن أبيه أنَّ عمر -رضي الله عنه- استعمل مولًى له يدعى هنيّ على الحِمَى وقال له: يا هني، اضمم جناحك عن الناس، واتق دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مجابة، وأدخل رب الصريمة والغنيمة، وإياك ونعم ابن عوف، وإياك ونعم ابن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع، وإن ربَّ الصريمة وربَّ الغنيمة إن تهلك ماشيتهما فيأتياني فيقولا: يا أمير المؤمنين. أفتاركهم أنا، لا أبا لك، إنَّ الماء والكلأ أيسر عندي من الذهب والورق، والذي نفسي بيده، لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرًا، فإن حِمَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرضًا لحاجة، والحاجة باقية لم يجز إحياؤها، وإن زالت الحاجة ففيه وجهان:
أحدهما يجوز لأنَّه زال السبب، والثاني: لا يجوز؛ لأن ما حكم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نصّ، فلا يجوز نقضه بالاجتهاد، وإن حماه إمام غيره وقلنا: إنه يصح حماه، فأحياه رجل ففيه قولان:
أحدهما: لا يملكه، كما لا يملك ما حماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
والثاني: يملك؛ لأن حمى الإمام اجتهاد وملك الأرض بالإحياء نص، والنص لا ينقض بالاجتهاد. [المهذب: ١/ ٤٢٧] .
١ رواه أبو داود في كتاب الخراج "٣٠٧٢"، وأحمد "٦٤٢٢"، والبيهقي في السنن الكبرى "١١٥٧٠"، والطبراني في الكبير "١٣٣٥٢"، وضعَّفه الشيخ الألباني.
قال ابن الملقن: حديث: "عادي الأرض لله ولرسوله ثم لكم مني" رواه الشافعي من رواية ابن طاوس، كذلك والبيهقي من رواية طاوس، إلّا أنه قال: "ثم لكم من بعد" رواه كذلك موقوفًا على ابن عباس. [خلاصة البدر المنير: ٢/ ١٠٩] .

<<  <   >  >>