للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل:

وأما إقطاع المعادن، وهي البقاع التي أودعها الله تعالى جواهر الأرض، فهي ضربان: ظاهرة وباطنة١.

فأمَّا الظاهرة: فهي ما كان جوهرها المستودع فيها بارزًا -كمعادن الكحل، والملح، والقار، والنفط، وهو كالماء الذي لا يجوز إقطاعه، والناس فيه سواء، يأخذه من ورد إليه، روى ثابت بن سعيد عن أبيه عن جده أنَّ الأبيض بن حَمَّال استقطع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ملح مأرب فأقطعه، فقال الأقرع بن حابس التميمي: يا رسول الله، إني وردت هذا الملح في الجاهلية، وهو بأرض ليس فيها غيره من وَرَدَه أخذه، وهو مثل الماء العد بالأرض، فاستقال الأبيض في قطيعة الملح، فقال قد أقلتك على أن تجعله مني صدقة، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام: "هو منك صدقة، وهو مثل الماء العد من وردة أخذه" ٢.

قال أبو عبيد: الماء العد هو الذي له مواد تمده مثل العيون والآبار. وقال غيره: هو الماء المتجمع المعد، فإن أقطعت هذه المعادن الظاهرة لم يكن لإقطاعها حكم، وكان المقطع وغيره فيها سواء، وجميع من ورد إليها أسوة مشتركون فيها، فإن منعهم المقطِع


١ قال أبو إسحاق الشيرازي -من الشافعية: وأمَّا المعادن فإنَّها إن كانت من المعادن الظاهرة لم يجز إقطاعها؛ لما روى ثابت بن سعيد بن أبيه عن جده أبيض بن حمَّال أنه استقطع النبي -صلى الله عليه وسلم- ملح المأرب فأقطعه إياه، ثم إنَّ الأقرع بن حابس قال: يا رسول الله، إني قد وردت الملح في الجاهلية وهو بأرض ليس بها ملح ومن وَردَه أخذه، وهو مثل الماء العد بأرض، فاستقال أبيض بن حمَّال فقال أبيض: قد أقلتك فيه على أن تجعله مني صدقة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "هو منك صدقة وهو مثل الماء العد ومن ورده أخذه".
وإن كانت من المعادن الباطنة فإن قلنا: إنَّها تملك بالإحياء جاز إقطاعه؛ لأنه موات يجوز أن يملك بالإحياء، فجاز إقطاعه كموات الأرض، وإن قلنا: لا تملك بالإحياء، فهل يجوز إقطاعه فيه قولان:
أحدهما: يجوز إقطاعه؛ لأنه يفتقر الانتفاع به إلى المؤن، فجاز إقطاعه كموات الأرض، والثاني: يجوز؛ لأنه معدن لا يملك بالإحياء، فلم يجز إقطاعه كالمعادن الظاهرة، فإذا قلنا: يجوز إقطاعه لم يجز إلّا ما يقوم به لما ذكرناه في إقطاع الموات. [المهذب: ١/ ٤٢٧] .
٢ حسن: رواه الترمذي في كتاب الأحكام "٢٣٨٠"، وابن ماجه في كتاب الأحكام "٢٤٧٥"، والدارمي في كتاب البيوع "٢٦٠٨"، وحسَّنَه الشيخ الألباني.

<<  <   >  >>