منها كان بالمنع متعديًا وكان لما أخذه مالكًا؛ لأنه متعدٍّ بالمنع لا بالأخذ، فكُفَّ عن المنع وصرِفَ عن مداومة العمل؛ لئلَّا يثبته إقطاعًا بالصحة، أو يصير معه كالأملاك المستقر.
وأمَّا المعادن الباطنة: فهي ما كان جوهرها مستكنًا فيها لا يوصل إليه إلَّا بالعمل؛ كمعادن الذهب والفضة والصفر والحديد، فهذه وما أشبهها معادن باطنة، سواء احتاج المأخوذ منها إلى سبك وتخليص أو لم يحتج.
وفي جواز إقطاعها قولان:
أحدهما: لا يجوز كالمعادن الظاهرة، وكل الناس فيها شرع.
والقول الثاني: يجوز إقطاعها؛ لرواية كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم:"أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية جلسيها وغوريها، وحيث يصلح الزرع من قدس، ولم يقطعه حق مسلم"١.
وفي الجلسي والغوري تأويلان:
أحدهما: إنه أعلاها وأسفلها، وهو قول عبد الله بن وهب.
والثاني: إن الجلسي بلاد نجد، والغوري بلاد تهامة، وهذا قول أبي عبيدة، ومنه قول الشماخ من الطويل:
فمرت على ماء العذيب وعينها ... كوقب الحصى جلسيها قد تغورا
فعلى هذا يكون المقطع أحق بها، وله منع الناس منها.
وفي حكمه قولان:
أحدهما: إنه إقطاع تمليك يصير به المقطع مالكًا لرقبة المعدن كسائر أمواله في حال عمله، وبعد قطعه يجوز له بيعه في حياته، وينتقل إلى ورثته بعد موته.
والقول الثاني: إنه إقطاع إرفاق لا يملك به رقبة المعدن، ويملك به الارتفاق بالعمل
١ حسن: رواه مالك في كتاب الزكاة "٥٨٢"، وأبو داود في كتاب الخراج "٣٠٦٢"، وحسَّنَه الشيخ الألباني.