لِمَ تفضِّل عمر علينا وقد هاجر آباؤنا وشهدوا بدرًا؟ فقال عمر: أفضِّله لمكانه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فليأت الذي يستعتب بأمِّ سلمة أعتبه، وفرض لأسامة بن زيد أربعة آلاف درهم، فقال له عبد الله بن عمر: فرضت لي ثلاثة آلاف درهم، وفرضت لأسامة أربعة آلاف درهم، وقد شهدت ما لم يشهد أسامة؟ فقال عمر: زدته لأنه كان أحبَّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منك، وكان أبوه أحبَّ إلى رسول الله من أبيك، ثم فرض للناس على منازلهم وقراءتهم القرآن وجهادهم، وفرض لأهل اليمن وقيس بالشام والعراق لكلِّ رجل منهم من ألفين إلى ألف، إلى خمسمائة، إلى ثلاثمائة، ولم ينقص أحدًا منها، وقال: لئن كثر المال لأفرض لكل رجل أربعة آلاف درهم: ألفًا لفرسه، وألفًا لسلاحه، وألفًا لسفره، وألفًا يخلفها في أهله؛ وفرض للمنفوس مائة درهم، فإذا ترعرع بلغ به مائتي درهم، فإذا بلغ زاده، وكان لا يفرض لمولود شيئًا حتى يفطم، إلى أن سمع امرأة ذات ليلة وهي تكره ولدها على الفطام، وهو يبكي، فسألها عنه؟ فقالت: إنَّ عمر لا يفرض للمولود حتى يفطم، فأنا أكرهه على الفطام حتى يفرض له، فقال: يا ويل عمر، كم احتقب من وزر وهو لا يعلم، أمر عمر مناديه فنادى: ألَّا تعجلوا أولادكم بالفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام، ثم كتب إلى أهل العوالي، وكان يجري عليهم القوت، فأمر بجريب من الطعام فطحن، ثم خبز، ثم ثرد، ثم دعا ثلاثين فأكلوا منه غداهم حتى أصدرهم، ثم فعل في العشاء مثل ذلك، فقال: يكفي الرجل جريبان في كل شهر، وكان يرزق الرجل والمرأة والمملوكة جريبين في كل شهر، وكان أذا أراد الرجل أن يدعو على صاحبه قال له: قطع الله عنك جريبك.
وكان الديوان موضوعًا على دعوة العرب في ترتيب الناس فيه معتبرًا بالنسب، وتفضيل العطاء معتبرًا بالسابقة في الإسلام، وحسن الأثر في الدين، ثم روعي في التفضيل عند انقراض أهل السوابق بالتقدم في الشجاعة والبلاء في الجهد؛ فهذا حكم ديوان الجيش في ابتداء وضعه على الدعوة القريبة والترتيب الشرعي.
وأما ديوان الاستيفاء وجباية الأموال فجرى هذا الأمر فيه بعد ظهور الإسلام بالشام والعراق على ما كان عليه من قبل، فكان ديوان الشام بالرومية؛ لأنه كان من مماليك الروم، وكان ديوان العراق بالفارسية؛ لأنه كان من مماليك الفرس، فلم يزل أمرهما جاريًا على ذلك