للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى زمن عبد الملك بن مروان، فنقل ديوان الشام إلى العربية سنة إحدى وثمانين.

وكان سبب نقله إليه ما حكاه المدائني: أنَّ بعض كُتَّاب الروم في ديوانه أراد ماء لدواته فبال فيها بدلًا من الماء فأدَّبه، وأمر سليمان بن سعد أن ينقل الديوان إلى العربية، فسأله أن يعينه بخراج الأردن سنة، ففعل وولَّاه الأردن، وكان خراجه مائة وثمانين ألف دينار، فلم تنقض السنة حتى فرغ من الديوان فنقله، وأتى به إلى عبد الملك بن مروان، فدعا سرجون١ كاتبه فعرضه عليه، فغمه وخرج كئيبًا؛ فلقيه قوم من كتاب الروم فقال لهم: اطلبوا المعيشة من غير هذه الصناعة، وقد قطعها الله عنكم.

وأما ديوان الفارسية بالعراق فكان سبب نقله إلى العربية أنَّ كاتب الحجَّاجِ كان يسمَّى زاذان فروخ، كان معه صالح بن عبد الرحمن يكتب بين يديه بالعربية والفارسية، فوصله زاذان فروخ بالحجاج فخفَّ على قلبه، فقال صالح لزاذان فروخ: إن الحجاج قد قرَّبني ولا آمن عليك أن يقدمني عليك، فقال: لا تظن ذلك فهو إليَّ أحوج مني إليه؛ لأنه لا يجد من يكفيه حسابه غيرى، فقال صالح: والله لوشئت أن أحوّل الحساب إلى العربية لفعلت، قال: فحوّل منه ورقة أو سطرًا حتى أرى ففعل، ثم قتل زاذان فروخ في أيام عبد الرحمن بن الأشعث، فاستخلف الحجَّاج صالحًا مكانه، فذكر له ما جرى بينه وبين زاذان فروخ، فأمره أن ينقله، فأجابه إلى ذلك وأجله فيه أجلًا حتى نقله إلى العربية، فلمَّا عرف مردان شاه بن زاذان فروخ ذلك بذل له مائة ألف درهم؛ ليظهر للحجاج العجز عنه فلم يفعل، فقال له: قطع الله أوصالك من الدنيا كما قطعت أصل الفارسية، فكان عبد الحميد بن يحيى كاتب


١ هو سرجون بن منصور الرومي، كاتب لمعاوية ويزيد ابنه ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان، إلى أن أمره عبد الملك بأمر فتوانى فيه، ورأى منه عبد الملك بعض التفريط، فقال لسليمان ابن سعد كاتبه على الرسائل: إنَّ سرجون يدل علينا بصناعته، وأظنّ أنه رأى ضرورتنا إليه في حسابه، فما عندك فيه حيلة؟
فقال: بلى، لو شئت لحوَّلت الحساب من الرومية إلى العربية. قال: افعل. قال: أنظرني على ذلك. قال: لك نظرة ما شئت، فحوَّل الديوان، فولَّاه عبد الملك جميع ذلك. وحسَّان النبطي كاتب الحجاج، وسالم مولى هشام بن عبد الملك، وعبد الحميد الأكبر، وعبد الصمد، وجبلة بن عبد الرحمن، وقحذم جد الوليد بن هشام القحذمي، وهو الذي قلب الدواوين من الفارسية إلى العربية. [انظر: العقد الفريد لابن عبد ربه] .

<<  <   >  >>