والوجه الثاني: أنه يحمل على جواز النظر في كل عام ما لم يعزل اعتبارًا بالعرف.
والفصل الخامس: في جاري العامل على عمله، ولا يخلو فيه من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يسمي معلومًا.
والثاني: أن يسمي مجهولًا.
والثالث: أن لا يسمي بمجهول ولا بمعلوم، فإن سمَّى معلومًا استحق المسمَّى إذا وفَّى العمالة حقَّها، فإن قصر فيها روعي تقصيره، فإن كان لترك بعض العمل لم يستحق جاري ما قابله، وإن كان لخيانة منه مع استيفاء العمل استكمل جارية وارتجع ما خان فيه، وإن زاد في العمل روعيت الزيادة، فإن لن تدخل في حكم عمله كان نظره فيها مردودًا لا ينفذ، وإن كانت داخله في حكم نظره لم يخل من أحد أمرين:
إما أن يكون قد أخذها بحق أو ظلم، فإن أخذها بحق كان متبرعًا بها لا يستحق لها زيادة على المسمَّى في جاريه، وإن كان ظلمًا وجب ردَّها على من ظلم بها، وكان عدوانًا من العامل يؤخذ بجريرته، واما إن سمَّى جارية مجهولًا استحق جاري مثله فيما عمل، فإن كان جاري العمل مقدرًا في الديوان وعمل به جماعة من العمال صار ذلك القدر هو جاري المثل، وإن لم يعمل به إلَّا واحد لم يصر ذلك مألوفًا في جاري المثل.
وأما إن لم يسم جارية بمعلوم ولا بمجهول، فقد اختلف الفقهاء في استحقاقه لجاري مثله على عمله على أربعة مذاهب قالها الشافعي وأصحابه، فمذهب الشافعي فيها أنه لا جاري له على عمله، ويكون متطوعًا به حتى يسمّي جاريًا معلومًا أو مجهولًا؛ لخلو عمله من عوض.
وقال المزني: له جاري مثله وإن لم يسمِّه لاستيفاء عمله عن إذنه.
وقال أبو العباس بن سريج: إن كان مشهورًا بأخذ الجاري على عمله فله جاري مثله، وإن لم يشهر بأخذ الجاري عليه فلا جاري له.
وقال أبو إسحاق المروزي١ من أصحاب الشافعي: إن دعي إلى العمل في الابتداء أو أمر
١ هو إبراهيم بن أحمد أبو إسحاق المروزي الشافعي، إمام عصره في الفتوى والتدريس، أخذ الفقه عن ابن سريج، وشرح مختصر المزني، وله مصنَّفات كثيرة، وأقام ببغداد دهرًا طويلًا يفتي ويدرس، وأنجب من أصحابه جماعة، وإليه ينسب المروزي ببغداد الذي في قطيعة الربيع، ثم ارتحل إلى مصر آخر عمره وأدركه أجله بها، وتوفِّي -رحمه الله تعالى- سنة أربعين وثلاثمائة، ودفن بالقرب من الشافعي -رضي الله عنه.