والوجه الثالث: إنَّ الحد وإن كان ما حدث عنه من التلف هدرًا، فإن التعزير يوجب ضمان ما حدث عنه من التلف. قد أرهب عمر بن الخطاب امرأة فأخمصت بطنها فألقت جنينًا ميتًا، فشاور عليًّا -عليه السلام، وحمل دية جنينها.
واختلف في محل دية التعزير فقيل: تكون على عاقلة ولي الأمر، وقيل: تكون في بيت المال، فأمَّا الكفارة ففي ماله إن قيل: إن الدية على عاقلته، وإن قيل: إن الدية في بيت المال ففي محل الكفارة وجهان:
أحدهما: في ماله. والثاني: في بيت المال، وهكذا المعلّم إذا ضرب صبيًّا أدبًا معهودًا في العرف، فأفضى إلى تلفه، ضمن ديته على عاقلته والكفارة في ماله. ويجوز للزوج ضرب زوجته إذا نشزت عنه، فإن تلفت من ضربه ضمن ديتها على عاقلته إلَّا إن يتعمّد قتلها فيقاد بها.
وأما صفة الضرب في التعزير فيجوز أن يكون بالعصا، وبالسوط الذي كسرت ثمرته كالحد.
واختلف في جوازه بسوط لم تكسر ثمرته، فذهب الزبيري إلى جوازه، فإن زاد في الصفة على ضرب الحدود، وأنه يجوز أن يبلغ به إنهار الدم. وذهب جمهور أصحاب الشافعي -رضي الله عنه- إلى حظره بسوط لم تكسر ثمرته؛ لأن الضرب في الحدود أبلغ وأغلظ، وهو كذلك محظور، فكان في التعزير أولى أن يكون محظورًا، ولا يجوز أن يبلغ بتعزير إنهار الدم، وضرب الحد يجب أن يفرق في البدن كله بعد توقي المواضع القاتلة؛ ليأخذ كل عضو نصيبه من الحد، ولا يجوز أن يجتمع في موضع واحد من الجسد.
واختلف في ضرب التعزير، فأجراه جمهور أصحاب الشافعي مجرى الضرب في تفريقه وحظر جمعه، وخالفهم الزبيري فجوّز جمعه في موضع واحد من الجسد؛ لأنه لما جاز إسقاطه عن جميع الجسد جاز إسقاطه عن بعضه بخلاف الحد، ويجوز أن يصلب في التعزير حيًّا.
قد صلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلًا على جبل يقال له: أبو ناب، ولا يمنع إذا صلب أداء طعام ولا شراب ولا يمنع من الوضوء للصلاة، ويصلي موميًا ويعيد إذا أرسل، ولا يتجاوز